للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أبو علي الطبريّ، والقاضيان: ابن كَجٍّ، والحسين، والمسعوديّ، ويوافقه قول الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أُحِبّ الأذان؛ لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم اغفر للمؤذنين" (١)، وأكره الإمامة؛ للضمان، وما على الإمام فيها، وإذا أَمَّ انبغى أن يتقيَ، ويؤدي ما عليه في الإمامة، فإن فعل رجوت أن يكون أحسن حالًا من غيره. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا التفصيل الذي ذكره الإمام الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- هو الأرجح عندي؛ لوضوح حجّته، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في علّة هروب الشيطان عند سماع الأذان:

قال في "الفتح": اختَلَف العلماء في المعنى في إدبار الشيطان وهروبه عند سماع الأذان، فقال المهلب: إنما يهرب -واللَّه أعلم- من اتّفاق الكل على الإعلان بشهادة التوحيد، وإقامة الشريعة، كما يَفعَل يوم عرفة لِمَا يَرَى من اتفاق الكل على شهادة التوحيد للَّه تعالى، وتنزل الرحمة، فييأس أن يرُدّهم عما أعلنوا به من ذلك، ويوقن بالخيبة بما تفضل اللَّه تعالى عليهم من ثواب ذلك، ويذكر معصية اللَّه ومضادته أمره، فلا يملك الحدَث لِمَا حصل له من الخوف. انتهى، وذكر القاضي عياض نحوه.

وقيل: إنما أدبر عند الأذان؛ لئلا يسمعه، فيضطَرّ إلى أن يشهد له بذلك يوم القيامة؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَسمَع مَدَى صوت المؤذن جنّ، ولا إنس، ولا شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة"، رواه البخاريّ، وهذا قد حكاه النوويّ عن العلماء، وهو مبني على أن الكافر يدخُل في هذه الشهادة، وهو الصحيح، وحَكَى القاضي عياض قولًا أن الكافر لا يدخل في هذه الشهادة؛ لأنه لا شهادة له، وقال: لا يقبل هذا من قائله؛ لما جاء في الآثار من خلافه.


(١) حديث صحيح، أخرجه أبو داود في "سننه"، ولفظه: عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الإمام ضامنٌ، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين".
(٢) راجع: "طرح التثريب" ٢/ ٢٠٣.