وقال أبو العباس القرطبيّ بعد أن ذكر أن هذا هو مشهور مذهب مالك: إن الرفع في المواطن الثلاثة هو آخر أقواله، وأصحّها، والمعروف مِن عمل الصحابة، ومذهب كافة العلماء، إلا مَن ذُكِر. انتهى، وكذا قال الخطابيّ: إنه قول مالك في آخر أمره.
وقال محمد بن نصر المروزيّ: لا نعلم مصرًا من الأمصار تركوا بأجمعهم رفع اليدين عند الخفض والرفع في الصلاة، إلا أهل الكوفة، فكلهم لا يرفع إلا في الإحرام.
وقال ابن عبد البرّ: لم يُرْوَ عن أحد من الصحابة ترك الرفع عند كل خفض ورفع، ممن لم يُخْتَلف عنه فيه إلا ابن مسعود وحده، ورَوَى الكوفيون عن عليّ مثل ذلك، وروى المدنيون عنه الرفع من حديث عبيد اللَّه بن أبي رافع. انتهى.
وذَكَر عثمان بن سعيد الدارميّ أن الطريق عن عليّ في ترك الرفع واهية.
وقال الشافعيّ في رواية الزعفرانيّ عنه: ولا يثبت عن عليّ وابن مسعود، ولو كان ثابتًا عنهما لا يثبته (١) أن يكون رآهما مرة أغفلا رفع اليدين، ولو قال قائل: ذهب عنهما حفظ ذلك عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحفظه ابن عمر، لكانت له الحجة. انتهى.
ورَوَى البيهقيّ في "سننه" عن وكيع قال: صليت في مسجد الكوفة، فإذا أبو حنيفة قائم يصلي، وابن المبارك إلى جنبه يصلي، فإذا عبد اللَّه يرفع يديه كلما ركع، وكلما رفع، وأبو حنيفة لا يرفع، فلما فرغوا من الصلاة، قال أبو حنيفة لعبد اللَّه: يا أبا عبد الرحمن، رأيتك تكثر رفع اليدين، أردت أن تطير؟، فقال له عبد اللَّه: يا أبا حنيفة، قد رأيتك ترفع يديك حين افتتحت الصلاة، فأردت أن تطير؟ فسكت أبو حنيفة، قال وكيع: ما رأيت جوابًا أحضر من جواب عبد اللَّه لأبي حنيفة.
ورَوَى البيهقي أيضًا عن سفيان بن عيينة، قال: اجتمع الأوزاعيّ والثوريّ بمنى، فقال الأوزاعيّ للثوريّ: لم لا ترفع يديك في خفض الركوع ورفعه؟
(١) هكذا النسخة، والظاهر أن هذا تصحيف من قوله: "لأَشْبَهَ"، أو نحو ذلك، فتأمل.