للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتُعُقّب بأنه ورد لدفع توهم قصر الحكم على الفاتحة، قال البخاريّ في "جزء القراءة": هو نظير قوله: "تُقْطَع اليد في ربع دينار فصاعدًا"، وادَّعَى ابن حبان، والقرطبيّ، وغيرهما الإجماع على عدم وجوب قدر زائد عليها، وفيه نظر؛ لثبوته عن بعض الصحابة، ومن بعدهم، في رواه ابن المنذر وغيره، ولعلهم أرادوا أن الأمر استقرّ على ذلك، وسيأتي في هذا الباب حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "ومن قرأ بأم الكتاب فقد أجزأت، ومن زاد فهو أفضل"، ولابن خزيمة من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قام فصلى ركعتين، لم يقرأ فيهما إلَّا بفاتحة الكتاب" (١).

وقال النوويّ في "شرح المهذّب" (٣/ ٣٤٣):

قراءة السورة بعد المفاتحة سنة، فلو اقتصر على الفاتحة أجزأته الصلاة، وبه قال مالك، والثوريّ، وأبو حنيفة، وأحمد، وكافة العلماء، إلَّا ما حكاه القاضي أبو الطيب، عن عثمان بن أبي العاص الصحابي -رضي اللَّه عنه-، وطائفةٍ أنه تجب مع الفاتحة سورة، أقلها ثلاث آيات، وحكاه صاحب "البيان" عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، ويُحتَجّ لى بأنه المعتاد من فعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كما تظاهرت به الأحاديث الصحيحة، مع قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صَلُّوا كما رأيتموني أصلي".

ودليل الجمهور قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن"، وظاهره الاكتفاء بها، وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "في كل صلاة يُقرأ فما أسمعنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أسمعناكم، وما أخفى عنّا أخفينا، وإن لم تَزِد على أم القرآن أجزأت، وإن زدت فهو خير لك"، رواه متّفقٌ عليه.

واستَدَلّ البيهقيّ وغيره في هذه المسألة بهذا الأثر عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، ولا دلالة فيه لمسألتنا، فإن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- لا يُحتَجّ على بعضهم بقول بعض، وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّى ركعتين، ولم يقرأ فيهما إلَّا بفاتحة الكتاب"، رواه بإسناد ضعيف. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال المجامع عفا اللَّه عنه، ما ذهب إليه الجمهوو من عدم وجوب ما زاد على الفاتحة هو الحقّ عندي؛ لقوّة حجّته، فقد أخرج أبو داود بإسناد صحيح،


(١) راجع: "الفتح" ٢/ ٢٨٤.