للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كلّه أن المراد من قوله: "خِدَاجٌ" نُقصان الذات، أعني نقصان الفساد، والبطلان، ويدلّ عليه ما رواه البيهقيّ في "كتاب القراءة" له عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "لا تُجزئ صلاة لا يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب"، قال: قلت: فإن كنت خلف الإمام؟ قال: فأخذ بيدي، وقال: اقرأ بها في نفسك يا فارسيّ، قال البيهقيّ: رواه ابن خزيمة، عن محمد بن يحيى، محتجًّا به على أن قوله في سائر الروايات: "فهي خِداجٌ" المراد به النقصان الذي لا تجزئ معه. انتهى.

وقال أبو عمر بن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- هذا من الفقه إيجاب القراءة بالفاتحة في كل صلاة، وأن الصلاة إذا لَمْ يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خِداج، والخِداج النقصان والفساد، من ذلك قولهم: أخدجت الناقة: إذا ولدت قبل تمام وقتها، وقبل تمام الخِلقة، وذلك نتاجٌ فاسدٌ، وقال الأخفش: خَدَجت الناقة: إذا ألقت ولدها لغير تمام، وأخدجت: إذا قذفت به قبل وقت الولادة، وإن كان تامّ الخلق، وقد زعم من لم يوجب قراءة الفاتحة في الصلاة أن قوله: "خِداج" يدلّ على جواز الصلاة؛ لأنه النقصان، والصلاة الناقصة جائزة، وهذا تحكّم فاسدٌ، والنظر يوجب في النقصان أن لا تجوز معه الصلاة؛ لأنَّها صلاة لم تتمّ، ومن خرج من صلاته قبل أن يُتمّها فعليه إعادتها تامّة كما أُمر، ومن ادّعَى أنَّها تجوز مع إقراره بنقصها، فعليه الدليل، ولا سبيل له إليه من وجه يلزم. انتهى (١).

(ثَلَاثًا) أي قال ذلك ثلاث مرّات، وقوله: (غَيْرُ تَمَامٍ") بالرفع عطفُ بيان لخداج، أو بدل منه، وقيل: تأكيد، قال الزرقانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فهو حجة قويّة على وجوب قراءتها في كلّ صلاة. انتهى.

وقال صاحب "المرعاة": هذا يدلّ على تعيّن الفاتحة في الصلاة، وأنه لا يجزئ غيرها عنها، ولا يقوم مقامها قراءة غيرها من القرآن؛ لأن لفظ التمام يُستعمل في الإجزاء، ويُطلَق بحسب الوضع على بعض ما لا تتمّ الحقيقة إلَّا به، ففيه دليلٌ على كون الفاتحة من أجزاء الصلاة وأركانها. انتهى (٢)، وهو بحثٌ نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم.


(١) "الاستذكار" ٤/ ١٩٣.
(٢) "المرعاة" ٣/ ١١١ - ١١٢.