للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ) القائل هو أبو السائب الراوي للحديث عنه في الرواية التالية، ففي رواية النسائيّ من طريقه: "فقلت: يا أبا هريرة إني أكون أحيانًا وراء الإمام" (إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ؟) أي نكون في بعض الأوقات مقتدين بالإمام، فهل علينا من حرج إن لم نقرأ بها؟ (فَقَالَ) أبو هريرة، وفي رواية النسائيّ: "فغمز ذراعي، وقال: اقرأ بها يا فارسيّ في نفسك" (اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ) معناه: اقرأ بفاتحة الكتاب سرًّا في نفسك، قال البيهقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "كتاب القراءة": المراد أن يتلفّظ بها سرًّا دون الجهر بها، ولا يجوز حمله على ذكرها بقلبه دون التلفّظ بها؛ لإجماع أهل اللسان على أن ذلك لا يُسمّى قراءةً، ولإجماع أهل العلم على أن ذكرها بقلبه دون التلفّظ بها ليس بشرط ولا مسنون، فلا يجوز حمل الخبر على ما لا يقول به أحدٌ، ولا يساعده لسان العرب. انتهى.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه: اقرأها سرًّا بحيث تُسمِع نفسك، وأما ما حمله عليه بعض المالكية وغيرهم، أن المراد تدبر ذلك وتذكّره فلا يُقْبَل؛ لأن القراءة لا تُطلق إلَّا على حركة اللسان، بحيث يُسمِع نفسه، ولهذا اتفقوا على أن الجنب لو تدبر القرآن بقلبه، من غير حركة لسانه، لا يكون قارئًا مرتكبًا لقراءة الجنب المحرمة. انتهى (١).

وفي رواية أبي عوانة: "فقلت لأبي هريرة: فإني أسمع قراءة القرآن؛ فغمزني بيده، فقال: يا فارسيّ، أو ابن الفارسيّ اقرأ بها في نفسك"، وفي رواية البخاريّ في "جزء القراءة": "قلت: يا أبا هريرة، كيف أصنع إذا كنت مع الإمام، وهو يجهر بالقراءة؟ قال: ويلك يا فارسيّ اقرأ بها في نفسك"، وكذلك في رواية البيهقيّ في "كتاب القراءة".

فظهر بهذه الروايات أن أبا هريرة كان يُفتي بعد وفاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بقراءة الفاتحة خلف الإمام في جميع الصلوات، سريّة كانت، أو جهريّةً، وفي إفتائه بهذا دلالة واضحةٌ على أن حديثه: "من صلّى صلاةً لَمْ يقرأ بأم القرآن، فهي خِداجٌ"، باقٍ على عمومه، شاملٌ للإمام والمأموم والمنفرد؛ لأن راوي الحديث


(١) "شرح النوويّ" ٤/ ١٠٣.