للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أعرف بالمراد منه، قاله المباركفوريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحث نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم.

(فَإِنِّي) الفاء للتعليل، أي إنما أمرتك بقراءتها سرًّا؛ لأني (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) هذا استدلال من أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- على ما أفتى به من قراءة المأموم الفاتحة وراء الإمام، وأنه لا يُعذر في تركها، وانتقال من دليل إلى دليل آخر؛ تقوية للأدلة، ووجه الاستدلال من هذا الحديث أن اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- سمّى الفاتحة صلاةً، وقسمها بينه وبين عبده نصفين، فمن لم يقرأها في صلاته كان غير مصلّ، فلا بدّ لكلّ مصلّ أن يقرأها، إمامًا كان، أو مأمومًا، أو منفردًا، واللَّه تعالى أعلم.

(يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ) بصيغة المتكلّم (الصَّلَاةَ) منصوب على المفعوليّة، وأراد بالصلاة الفاتحة، كما يدلّ عليه تمام الحديث، وسُمّيت صلاةً؛ لأن الصلاة لا تصحّ إلَّا بها، ففيه إطلاق اسم الكلّ على الجزء، ونظيره قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الحجِّ عرفة" (٢).

وقال الخطَّابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يريد بالصلاة القراءة، يدلّ على ذلك قوله عند التفسير له والتفصيل للمراد به: "إذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يقول اللَّه: حَمِدني عبدي. . . " إلى آخر السورة، وقد تُسمّى القراءة صلاةً؛ لوقوعها في الصلاة، وكونها جزءًا من أجزائها، كقوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: ١١٠]، قيل: معناه القراءة، وقال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: ٧٨]، أراد صلاة الفجر، فسمَّى الصلاة قرآنًا، والقرآن صلاةً؛ لانتظام أحدهما بالآخر.

يدلّ على صحّة ما قلناه قوله: (بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ) والصلاة خالصة للَّه، لا شِرْك فيها لأحد، فعُلم أن المراد به القراءة.

وحقيقة هذه القسمة منصرفة إلى المعنى، لا إلى متلوّ اللفظ، وذلك أن السورة من جهة المعنى نصفها ثناء، ونصفها مسألة ودعاء، وقسم الثناء ينتهي


(١) راجع: "أبكار المنن" ص ١٣٩.
(٢) حديث صحيح، أخرجه الترمذيّ في "الجامع" (٣/ ٢٣٧)، والنسائيّ ٥/ ٢٥٦.