إلى قوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، وهو تمام الشطر الأول من السورة، وباقي الآية، وهو قوله:{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} من قسم الدعاء والمسألة، ولذلك قال:"وهذه بيني وبين عبدي".
ولو كان المراد به قسم الألفاظ والحروف لكان النصف الأخير يزيد على الأول زيادة بيّنةً، فيرتفع معنى التعديل والتنصيف، وإنما هو قسمة المعاني، كما ذكرته لك، وهذا كما يقال: نصف السنة إقامة، ونصفها سفر، يريد به انقسام أيام السنة مدة للسفر، ومدّة للإقامة، لا على سبيل التعديل والتسوية بينهما حتى يكونا سواء، لا يزيد أحدهما على الآخر، وقيل لشريح:"كيف أصبحت؟ قال: أَصبحت، ونصف الناس عليّ غِضَاب، يريد أن الناس محكوم له، ومحكوم عليه، فالمحكوم عليه غضبان عليَّ؛ لاستخراجي الحقّ منه، وإكراهي إياه عليه، وكقول الشاعر [من الطويل]:
انتهى كلام الخطّابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم.
زاد في نسخة: "فنصفها لي، ونصفها لعبدي"، ومعنى قوله: "فنصفهما لي". أن نصف الفاتحة خاصّ بي، وهو الثلاث الآياتِ الأُوَلُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وقوله: "ونصفها لعبدي": أي أن نصفها الآخر خاصّ به، وهو قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦). . . .} إلى آخر السورة.
والإضافة في قوله: "عبدي" إضافة تشريف وتكريم، حيث تحقّق بصفات، العبوديّة، والقيام بحقوق الربوبيّة، وشهود آثارهما، وأسوارهما في صلاته التي هي معراج الأرواح، ورُوح الأشباح، وغَرْس تجلّيات الأسرار التي يتخلّى بها العبد عن الأغيار.
ولَمَّا كان وصف العبوديّة غايةَ الكمال؛ إذ به ينصرف الإنسان من الخلق إلى الحقّ وَصَفَ اللَّه تعالى به نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مقام الكرامة، فقال:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} الآية [الإسراء: ١]،