(وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) هذا وعده من اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لعبده أن يُجيب دعاءه، ووعده لا يُخلَف، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}(فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ) هذا بيان للصلاة التي قسمها اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- بينه وبين عبده، وبيان لمعنى القسمة لها، فذكر -صلى اللَّه عليه وسلم- ما يقوله اللَّه تعالى عند قراءة العبد كلَّ آية منها، وأعلم العبد أنه يسمع قراءته، وحمده، وثناءه، وتمجيده إياه، ودعاءه، ورغبته إليه، حضًّا للعبد على الخشوع عند قراءة هذه السورة المختصّة بهذه المعاني الجليلة التي لا تكاد تجتمع في غيرها من السور.
وفيه حجةٌ لمن قال: إن البسملة ليست من الفاتحة، ولو كانت منها لبدأ بها، وذكر فضلها معها، كما ذكر فضل كل آية منها، وفيه خلاف بين العلماء، سيأتي تحقيقه -إن شاء اللَّه تعالى-.
({الْحَمْدُ لِلَّهِ}) اتّفق القرّاء السبعة على ضمّ الدال، وهو مبتدأ وخبر، ورُوي عن سفيان بن عيينة، ورؤبة بن الحجاج أنهما قرءا بالنصب، وهو على إضمار فعل، وقرأ ابن أبي عَبْلة بضمّ الدال واللام؛ إتباعًا للثاني الأولَ، وله شواهد، لكنه شاذّ، وعن الحسن وزيد بن عليّ بكسر الدال؛ إتباعًا للأول الثانيَ.
قال الإمام ابن جرير الطبري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معنى {الْحَمْدُ لِلَّهِ} الشكر للَّه خالصًا دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما بَرَأ من خلقه بما أنعم على عباده من النعم التي لا يُحصيها العدد، ولا يُحيط بعددها غيره أحد في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح أجسام المكلّفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق، وغذّاهم به نعيم العيش، من غير استحقاق منهم ذلك عليه، ومع ما نبّههم علء، ودعاهم إليه من الأسباب المؤدّية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم، فلربّنا الحمد على ذلك كلّه أوَّلًا وآخرًا.
قال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ثناءٌ أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يُثنوا عليه فكأنه قال: قولوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}.