لا يجزئ أدنى منه، قال: وخالفهم آخرون، فقالوا: إذا استوى راكعًا، واطمأنّ ساجدًا أجزأ، ثم قال: وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، قاله في "الفتح"(١).
وقال صاحب "المرعاة" -رَحِمَهُ اللَّهُ-: استُدلّ بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلّ، فإنك لم تصلّ" للشافعيّ، وأبي يوسف، والجمهور على أن تعديل الأركان والطمأنينة فيها فرض، قالوا: إن قوله هذا صريحٌ في كون التعديل من الأركان، بحيث إن بفوته تفوّت الصلاة، وإلا لم يقل:"لم تصلّ"، فإن من المعلوم أن خلاد بن رافع -رضي اللَّه عنه- لم يكن ترك ركنًا من الأركان المشهورة، وإنما ترك التعديل والاطمئنان كما تدلّ عليه رواية ابن أبي شيبة، فعُلم أن تركه مبطل للصلاة.
قال: الحديث فيه ردّ صريح على أبي حنيفة ومحمد، فإن المشهور من مذهبهما أن تعديل الأركان ليس بفرض، بل هو واجب، واستُدلّ لهما بقوله تعالى:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}[الحج: ٧٧] بأن الركوع والسجود لفظ خاصّ، معناه معلوم، فالركوع هو الانحناء، والسجود هو وضع الجبهة على الأرض، فمطلق الْمَيَلان عن الاستواء، ووضع الجبهة على الأرض فرض بالآية المذكورة، وفرضيّة التعديل الثابتة بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لم تُصلّ" لا يجوز إلحاقها بالقرآن، لا على سبيل البيان، ولا على سبيل تقييد إطلاق القرآن.
أما الأول: فلأن البيان لا يكون إلا للمجمل، ولا إجمال في الركوع والسجود، وأما الثاني: فلأن تقييد إطلاق القرآن نسخ، وهو لا يجوز بخبر الواحد، ولَمّا لم يجز إلحاق ما ثبت بهذا الحديث بالثابت بالقرآن في مرتبته، ولم يمكن ترك خبر الواحد بالكليّة أيضًا قلنا: ما ثبت بالكتاب، وهو مطلق الركوع والسجود يكون فرضًا؛ لأنه قطعيّ، وما ثبت بهذا الخبر الظنيّ الثبوت
يكون واجبًا؛ مراعاةً لمنزلة كلّ من الكتاب والسنّة.
ورُدّ هذا الاستدلال بأن النصّ ليس بمطلق، بل مُجملٌ، فإن المراد بالركوع والسجود في الآية المذكورة معناهما الشرعيّ؛ لأنه قد تقرّر أن أمثال