شُرِعتا للفصل بين الركوع والسجود، فلا يكونان ركنين، بل الركن هو المقصود، وهو الركوع والسجود.
فعارضها بعسكر الفكر بأن هذا رأي في مقابلة النصّ المذكور، فلا يُسمع، كذا أفاده بحر العلوم، أنار اللَّه برهانه. انتهى كلام الشيخ عبد الحليم اللكنويّ.
وما نقله عن بعض السابقين قد ردّه أيضًا العينيّ بأن للخصم أن يقول: إنما سمّاها صلاةً بحسب زعم المصلّي، كما تدلّ عليه الإضافة، على أنه ورد في بعض الروايات:"وما نقصت شيئًا من ذلك"، أي مما ذُكر سابقًا، ومنه الركوع والسجود أيضًا، فيلزم أن تُسمّي ما لا ركوع فيها أو لا سجود فيها أيضًا صلاةً بعين التقرير المذكور، وإذ ليس، فليس. انتهى.
وقال بعض الحنفيّة في الجواب عن حديث أبي هريرة: إن هذا الحديث لا يدلّ على فرضيّة التعديل، بل على عدم فرضيّته؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- ترك الأعرابيّ حتى فرغ من صلاته، ولو كان ما تركه ركنًا لفسدت صلاته، فكان المضيّ بعد ذلك من الأعرابيّ عَبَثًا، فلا يحلّ له -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يتركه، فكان تركه دالًا على أن صلاته جائزة، إلا أنه ترك الإكمال، فأمره بالإعادة؛ زجرًا عن هذه العادة.
وردّه العينيّ في "البناية" بأن للخصم أن يقول: كانت صلاته فاسدةً، ولذا أمره بالإعادة، وقال له:"لم تصلّ" وإنما تركه عليه لأنه ربّما يهتدي إلى الصلاة الصحيحة، ولم يُنكر عليه؛ لأنه كان من أهل البادية، كما شَهِدت به رواية الترمذيّ بلفظ:"إذ جاء رجلٌ كالبدويّ"، ومن المعلوم أن أهل البادية لهم جفاء وغلظة، فلو أمره ابتداء لكان يقع في خاطره شيء، وكان المقام مقام التعليم.
وبالجملة لا دلالة لعدم إنكاره -صلى اللَّه عليه وسلم- على صلاته ابتداء، وأمره بالإعادة على ما ادّعوه. انتهى.
قال صاحب "المرعاة" بعد ذكر ما تقدّم: فإذا عرفت هذا كلّه ظهر لك أن ما ذهب إليه الجمهور -أي من فرضيّة الاطمئنان- هو الحقّ، وما ذهب إليه الحنفيّة ليس لهم عليه دليلٌ صحيح، بل حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- حجة صريحة عليهم. انتهى. وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، لا يَحتاج إلى التعليق عليه، والزيادة