عليه لمن سلك سبيل الإنصاف، وجانب تقليد الأعمى، وطريق الاعتساف، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): قال الإمام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذُكر فيه، وعلى عدم وجوب ما لم يُذكَر.
أما الوجوب فلتعلُّق الأمر به، وأما عدمه فليس لمجرد كون الأصل عدم الوجوب، بل لكون الموضع موضع تعليم، وبيان للجاهل، وتعريف لواجبات الصلاة، وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذُكر، ويتقوى ذلك بكونه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذَكَر ما تعلقت به الإساءة من هذا المصلي، وما لم تتعلق به إساءته من واجبات الصلاة، فدلّ على أنه لم يَقصُر المقصود على ما وقعت به الإساءة فقط.
فإذا تقرّر هذا، فكلُّ موضع اختَلَف الفقهاء في وجوبه، وكان مذكورًا في هذا الحديث، فلنا أن نتمسك به في وجوبه، وكلُّ موضع اختلفوا في وجوبه، ولم يكن مذكورًا في هذا الحديث، فلنا أن نتمسّك به في عدم وجوبه؛ لكونه غير مذكور في هذا الحديث على ما تقدّم من كونه موضع تعليم، وقد ظهرت قرينة مع ذلك على قصد ذكر الواجبات، وكلّ موضع اختُلف في تحريمه، فلنا أن نستدلّ بهذا الحديث على عدم تحريمه؛ لأنه لو حرّم لوجب التلبّس بضدّه، فإن النهي عن الشيء أمرٌ بأحد أضداده، ولو كان التلبّس بالضدّ واجبًا لذُكر ذلك على ما قرّرناه، فصار من لوازم النهي الأمرُ بالضدّ، ومن الأمر بالضدّ ذكره في الحديث على ما قرّرناه، فإذا انتفى الأمر بالضدّ انتفى ملزومه، وهو النهي عن ذلك الشيء.
فهذه الثلاث الطرق يمكن الاستدلال بها على شيء كثير من المسائل المتعلّقة بالصلاة، إلا أن على طالب التحقيق في هذا ثلاثَ وظائف:
[أحدها]: أن يَجْمَع طرق هذا الحديث، ويُحصِي الأمور المذكورة فيه، ويأخذ بالزائد فالزائد، فإن الأخذ بالزائد واجب.
[وثانيها]: إذا قام دليلٌ على أحد أمرين، إما الوجوب، أو عدم الوجوب، فالواجب العمل به، ما لم يعارضه ما هو أقوى منه، وهذا في باب النفي يجب التحرّز فيه أكثر، فلينظر عند التعارض أقوى الدليلين، فيَعْمَل به.