غيرها، وتركه لها من أعظم المشعِرات بعدم وجوب ما تضمنته؛ لما تقرّر من أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وإن كانت متأخرةً عنه، فهو غير صالح لصرفها؛ لأن الواجبات الشرعية ما زالت تتجدد وقتًا فوقتًا، وإلا لزم قصر واجبات الشريعة على الخمس المذكورة في حديث ضمام بن ثعلبة وغيره، أعني الصلاة، والصوم، والحجّ، والزكاة، والشهادتين؛ لأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اقتصر عليها في مقام التعليم، والسؤال عن جميع الواجبات، واللازمُ باطلٌ فالملزوم مثله.
وإن كانت صيغة الأمر الواردة بوجوب زيادة على هذا الحديث غير معلومة التقدّم عليه، ولا التأخر، ولا المقارنة، فهذا محلّ الإشكال، ومقام الاحتمال، والأصل عدم الوجوب، والبراءة منه حتى يقوم دليل يوجب الانتقال عن الأصل والبراءة، ولا شك أن الدليل المفيد للزيادة على حديث المسيء إذا التبس تاريخه محتمل لتقدمه عليه وتأخره، فلا يَنهَض للاستدلال به على الوجوب.
وهذا التفصيل لا بُدّ منه، وترك مراعاته خارج عن الاعتدال إلى حدّ الإفراط أو التفريط؛ لأن قصر الواجبات على حديث المسيء فقط، وإهدار الأدلة الواردة بعده تخيُّلًا لصلاحيته لصرف كل دليل يَرِدُ بعده دالًا على الوجوب سدٌّ لباب التشريع، وردّ لما تجدّد من واجبات الصلاة، ومنعٌ للشارع من إيجاب شيء منها، وهو باطل؛ لما عَرَفت من تجدد الواجبات في الأوقات.
والقول بوجوب كلِّ ما ورد الأمر به من غير تفصيل يؤدِّي إلى إيجاب كلّ أقوال الصلاة وأفعالها التي ثبتت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- من غير فرق بين أن يكون ثبوتها قبل حديث المسيء أو بعده؛ لأنها بيان للأمر القرآنيّ، أعني قوله تعالى:{أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}[الأنعام: ٧٢]، ولقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صَلُّوا كما رأيتموني أصلي"، وهو باطلٌ؛ لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو لا يجوز عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وهكذا الكلام في كل دليل يقضي بوجوب أمر خارج عن حديث المسيء ليس بصيغة الأمر، كالتوعّد على الترك، أو الذمّ لمن لم يفعل، وهكذا يُفَصَّل في كل دليل يقتضي عدم وجوب شيء، مما اشتَمَل عليه حديث المسيء، أو