للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والجاحم: المكان الشديد الحرّ، وأصحاب الجحيم: مستحقّوها، وملازموها.

ثم بيّن تعالى عذر إبراهيم عن استغفاره في قوله: {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦)} [الشعراء: ٨٦] بأن ذلك إنما كان منه لأجل وعد إبراهيم لأبيه حين قال له: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: ٤٧]، وقيل: إن الموعد هو من أبي إبراهيم له بأن يسلم، فلما لم يَفِ بها، وتبيّن له أنه لا يسلم إما بالوحي، وإما بموته على الكفر، تبرّأ منه، كما قال تعالى: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: ١١٤]، والقولان لأهل التفسير.

و"الأوّاه": الدَّعَّاءُ المتضرّع، قاله ابن مسعود، وابن عبّاس، و"الحليم": السيّد، قاله ابن حبيب، وقيل: هو الصبور على البَلْوَى، الصَّفُوحُ عن الأذى. قاله القرطبيّ (١).

(وَأنزَلَ اللهُ تَعَالَى في أَبيِ طَالِبٍ) أي في شأنه وأمره (فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)} [القصص: ٥٦]، قال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: أي لا تقدر على توفيق من أراد الله تعالى خذلانه، وكشَفَ ذلك بأن الهداية الحقيقيّة هي خلق القدرة على الطاعة، وقبولها، وليس ذلك إلا لله تعالى، والهداية التي تصحّ نسبتها لغير الله تعالى بوجه ما، هي الإرشاد والدلالة، كما قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢]: أي ترشد، وتبيّن، كما قال: {لِتُبَيِّن لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]، وما ذكرناه هو مذهب أهل السنّة والجماعة، وهو الذي تدلّ عليه البراهين القاطعة. انتهى (٢).

وقال النوويّ في "شرحه": قد أجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت في أبي طالب، وكذا نقل إجماعهم على هذا الزجاجُ وغيره (٣)، وهي عامّةٌ، فإنه لا يَهْدِي، ولا يُضِلُّ إلا الله تعالى.


(١) "المفهم" ١/ ١٩٥ - ١٩٦.
(٢) "المفهم" ١/ ١٩٦.
(٣) وتعقّب أبو عبد الله القرطبي في "تفسيره" ١٣/ ٢٩٩ على الزجاج، فقال بعد نقل قوله: قلت: والصواب أن يقال: أجمع جلّ المفسّرين على أنها نزلت في شأن أبي طالب عم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. انتهى.