للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

معنى "حَقًّا" في قولهم: "أما والله لأفعلنّ". والآخر: أن يكون افتتاحًا للكلام، بِمَنْزلة "ألا"، كقولك: "أما إنّ زيدًا منطلق"، وأكثر ما تُحذَف ألفها إذا وَقَعَ بعدها القسم؛ لِيَدُلُّوا على شدة اتصال الثاني بالأول؛ لأن الكلمة إذا بَقِيت على حرف واحد، لم تقم بنفسها، فعُلِم بحذف ألف "ما" افتقارها إلى الاتصال بالهمزة انتهى (١).

(وَاللهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، مَا لَمْ أُنُهَ) بالبناء للمفعول (عَنْكَ) أي عن الاستغفار لك، وفي بعض رواية غير الكشميهني عند البخاريّ: "ما لم أُنه عنه"، أي عن الاستغفار الذي دلّ عليه قوله: "لأستغفرنّ لك".

قال الزين بن الْمُنَيِّر: ليس المراد طلب المغفرة العامّة، والمسامحة بذنب الشرك، وإنما المراد تخفيف العذاب عنه، كما جاء مُبَيَّنًا في حديث آخر.

وتعقّبه الحافظ بأنّ هذه غفلة شديدةٌ منه، فإن الشفاعة لأبي طالب في تخفيف العذاب لم تُرَدَّ، وطلبها لم يُنْهَ عنه، وإنما وَقَعَ النهي عن طلب المغفرة العامة، وإنما ساغ ذلك للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - اقتداءً بإبراهيم عليه السلام في ذلك، ثم وَرَدَ نسخ ذلك كما سيأتي بيانه واضحًا. انتهى.

أفَانزَلَ اللهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ١١٣])، أي ما يجوز، وما ينبغي لهم ذلك، وهو خبر بمعنى النهي، قاله في "الفتح"، وذكر أهل المعاني أنّ "ما" تأتي في القرآن بمعنى النفي، كقوله عز وجل: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل: ٦٠]، وقوله: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: ١٤٥]، وبمعنى النهي، كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: ٥٣]، وهي في هذا الحديث للنهي، وتأوّل بعضهم الاستغفار هنا بمعنى الصلاة، والصحيح الأول (٢).

والواو في قوله تعالِي: ({وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}) [التوبة: ١١٣] واو الحال ({مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}) [التوبة: ١١٣]، أي بالموت على الكفر، و"الجحيم" اسم من أسماء النار المعدّة للكفّار، وكلُّ نار في مَهْوَاة فهي جحيم، ومنه قوله تعالى: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الصّافّات: ٩٧]،


(١) راجع: "شرح مسلم" للنووي ١/ ٢١٥.
(٢) راجع: "عمدة القاري" ٨/ ١٨١.