للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلى ترك الجهر بالتسمية، بل يُسرّ بها، منهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وغيرهم، وهو قول إبراهيم النخعيّ، وبه قال مالك، والثوريّ، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.

وذهب قوم إلى أنه يجهر بالتسمية للفاتحة، والسورة جميعًا، وبه قال من الصحابة أبو هريرة، وابن عمر، وابن عبّاس، وأبو الزبير، وهو قول سعيد بن جُبير، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وإليه ذهب الشافعيّ، واحتجّوا بحديث ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما-: "كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يفتتح صلاته بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} "، أخرجه الترمذيّ، وقال: وليس إسناده بذاك (١). انتهى (٢).

ولقد أجاد شيخ الإسلام ابن تيميّة -رَحِمَهُ اللَّهُ- في هذا البحث، وأنا أنقله، وإن كان فيه طول؛ لكونه تحقيقًا بالغًا، ودونك نصّ "الفتاوى الكبرى":

(مسألة): في حديث نعيم المجمر قال: كنت وراء أبي هريرة، فقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ثم قرأ بأم الكتاب، حتى بلغ {وَلَا الضَّالِّينَ} قال: "آمين"، وقال الناس: "آمين"، ويقول كلما سجد: "اللَّه أكبر"، فلما سَلَّم قال: والذي نفسي بيده، إني لأشبهكم صلاةً برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان المعتمر بن سليمان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قبل فاتحة الكتاب وبعدها، ويقول: ما آلو أن أقتدي بصلاة أَبِي، وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس، وقال أنس: ما آلو أن أقتدي بصلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهذا حديث ثابت في الجهر بها، وذكر الحاكم أبو عبد اللَّه أن رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات، فهل يُحْمَل ما قاله أنس، وهو: أصليت خلف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم أسمع أحدًا منهم يذكر {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} " على عدم السماع، وما التحقيق في هذه المسألة، والصواب؟.

(الجواب): الحمد للَّه رب العالمين، أما حديث أنس في نفي الجهر، فهو صريح، لا يحتمل هذا التأويل، فإنه قد رواه مسلم في "صحيحه فقال فيه: "صليت خلف النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون


(١) وقال العقيليّ: ولا يصحّ في الجهر بالبسملة حديث.
(٢) راجع: "شرح السنّة" ٣/ ٥٤ - ٥٥.