للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التي أولها {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؛ إذ لو كان مقصوده ذلك لتناقض حديثاه.

وأيضًا فإن افتتاح الصلاة بالفاتحة قبل السورة، وهو من العلم الظاهر العامّ الذي يعرفه الخاصّ والعامّ، كما يعلمون أن الركوع قبل السجود، وجميع الأئمة غير النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبي بكر وعمر وعثمان يفعلون هذا، ليس في نقل مثل هذا فائدة، ولا هذا مما يحتاج فيه إلى نقل أنس، وهم قد سألوه عن ذلك، وليس هذا مما يُسأل عنه، وجميع الأئمة من أمراء الأمصار والجيوش، وخلفاء بني أمية، وبني الزبير، وغيرهم ممن أدركه أنس، كانوا يفتتحون بالفاتحة، ولم يشتبه هذا على أحد، ولا شكّ، فكيف يُظَنّ أن أنسًا قصد تعريفهم بهذا، وأنهم سألوه عنه؟ وإنما مَثَلُ ذلك أن يقال: فكانوا يصلون الظهر أربعًا، والعصر أربعًا، والمغرب ثلاثًا، أو يقول: فكانوا يجهرون في العشاءين والفجر، ويخافتون في صلاتي الظهرين، أو يقول: فكانوا يجهرون في الأوليين دون الأخيرتين.

ومثل حديث أنس حديث عائشة الذي في "الصحيح" أيضًا أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢). . .} إلى آخره، وقد رُوي يفتتح الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، وهذا صريح في إرادة الآية.

لكن مع هذا ليس في حديث أنس نفي لقراءتها سرًا؛ لأنه رَوَى: "فكانوا لا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} "، وهذا إنما نَفَى هنا الجهر، وأما اللفظ الآخر "لا يذكرون"، فهو إنما يَنفي ما يمكنه العلم بانتفائه، وذلك موجود في الجهر، فإنه إذا لم يُسمَع مع القرب عُلِم أنهم لم يجهروا، وأما كون الإمام لم يقرأها، فهذا لا يمكن إدراكه، إلا إذا لم يكن له بين التكبير والقراءة سكتة، يمكن فيها القراءة سرًّا، ولهذا استدلّ بحديث أنس على عدم القراءة من لم يَرَ هناك سكوتًا، كمالك وغيره، لكن قد ثبت في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه قال: يا رسول اللَّه، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ماذا تقول؟ قال: "أقول كذا وكذا. . ." إلى آخره.

وفي "السنن" من حديث عمران، وأُبَيّ، وغيرهما أنه كان يسكت قبل القراءة، وفيها أنه كان يستعيذ، وإذا كان له سكوت لم يمكن أنسًا أن ينفي