للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن الأئمة كلهم أقرتهم على خلاف السنة، بل نحن نعلم ضرورة أن خلفاء المسلمين وملوكهم لا يبدلون سنة، لا تتعلق بأمر ملكهم، وما يتعلق بذلك من الأهواء، وليست هذه المسألة مما للملوك فيها غرض، وهذه الحجة إذا احتَجّ بها المحتج لم تكن دون تلك، بل نحن نعلم أنها أقوى منها، فإنه لا يشكّ مسلم أن الجزم بكون صلاة التابعين بالمدينة أشبه بصلاة الصحابة بها، والصحابة بها أشبه صلاة بصلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقرب من الجزم بكون صلاة شخص أو شخصين أشبه بصلاة آخر حتى ينتهي ذلك إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولهذا لم يذهب ذاهب قطّ إلى أن عمل غير أهل المدينة أو إجماعهم حجة، وإنما تنوزع في عمل أهل المدينة وإجماعهم، هل هو حجة أم لا؟ نزاعًا لا يقصر عن عمل غيرهم، وإجماع غيرهم إن لم يزد عليه.

فتبيّن دفع ذلك العمل عن سليمان التيميّ، وابن جريج وأمثالهما بعمل أهل المدينة، لو لم يكن المنقول نقلًا صحيحًا صريحًا عن أنس يخالف ذلك، فكيف والأمر في رواية أنس أظهر وأشهر وأصح وأثبت، من أن يعارض بهذا الحديث المجمل الذي لم يثبت، وإنما صححه مثل الحاكم وأمثاله؟.

ومثل هذا أيضًا يُظْهِر ضعفَ حديث معاوية الذي فيه أنه صلى بالصحابة بالمدينة، فأنكروا عليه ترك قراءة البسملة في أول الفاتحة، وأول السورة، حتى عاد يعمل ذلك، فإن هذا الحديث وإن كان الدارقطنيّ قال: إسناده ثقات، وقال الخطيب: هو أجود ما يُعتَمد عليه في هذه المسألة، كما نقل ذلك عنه نصر المقدسيّ، فهذا الحديث يُعْلَم ضعفه من وجوه:

[أحدها]: أنه يُروَى عن أنس أيضًا الرواية الصحيحة الصريحة المستفيضة الذي يردّ هذا.

[الثاني]: أن مدار ذلك الحديث على عبد اللَّه بن عثمان بن خُثيم، وقد ضعفه طائفة، وقد اضطربوا في روايته إسنادًا ومتنًا كما تقدم، وذلك يبين أنه غير محفوظ.

[الثالث]: أنه ليس فيه إسناد متصل السماع، بل فيه من الضعف والاضطراب ما لا يؤمن معه الانقطاع، أو سوء الحفظ.