للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أحمد بن حنبل، وذكر أبو بكر الرازيّ أن هذا مقتضى مذهب أبي حنيفة عنده، وهو قول سائر مَن حَقَّق القول في هذه المسألة، وتوسط فيها جَمْعٌ من مقتضى الأدلة، وكتابتها سطرًا مفصولًا عن السورة.

ويؤيِّد ذلك قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يَعْرِف فصل السورة حتى تنزل عليه {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}. رواه أبو داود (١)، وهؤلاء لهم في الفاتحة قولان، هما روايتان عن أحمد:

[أحدهما]: إنها من الفاتحة دون غيرها، تجب قراءتها حيث تجب قراءة الفاتحة.

[والثاني]: وهو الأصح لا فرق بين الفاتحة وغيرها في ذلك، وأن قراءتها في أول الفاتحة كقراءتها في أول السور، والأحاديث الصحيحة توافق هذا القول لا تخالفه، وحينئذ الخلاف أيضًا في قراءتها في الصلاة ثلاثة أقوال:

[أحدها]: إنها واجبة وجوب الفاتحة، كمذهب الشافعيّ وأحمد في إحدى الروايتين، وطائفة من أهل الحديث، بناءً على أنها من الفاتحة.

[والثاني]: قول من يقول قراءتها مكروهة سرًّا وجهرًا، كما هو المشهور من مذهب مالك.

[والقول الثالث]: إن قراءتها جائزةٌ بل مستحبةٌ، وهذا مذهب أبي حنيفة، وأحمد في المشهور عنه، وأكثر أهل الحديث، وطائفةٌ من هؤلاء يُسَوِّي بين قراءتها وترك قراءتها، ويخير بين الأمرين، معتقدين أن هذا على إحدى القراءتين، وذلك على القراءة الأخرى، ثم مع قراءتها هل يُسَنّ الجهر أو لا يسن؟ على ثلاثة أقوال:

قيل: يسنّ الجهر بها، كقول الشافعيّ ومن وافقه، وقيل: لا يسنّ الجهر بها، كما هو قول الجمهور من أهل الحديث والرأي، وفقهاء الأمصار، وقيل: يخير بينهما، كما يروى عن إسحاق، وهو قول ابن حزم وغيره، ومع هذا فالصواب أن ما لا يجهر به قد يُشْرَع الجهر به لمصلحة راجحة، فيشرع للإمام


(١) حديث صحيح، رواه أبو داود (١/ ٢٠٩).