للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد كلام الغسّانيّ هذا، ما نضه: والمقصود أنه عَطَف قوله: "وعن قتادة" على قوله: "عن عبدة"، وإنما فعل مسلم هذا؛ لأنه سمعه هكذا، فأدّاه كما سمعه، ومقصوده الثاني المتصل، دون الأول المرسل، ولهذا نظائر كثيرة في "صحيح مسلم" وغيره، ولا إنكار في هذا كلّه. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أتقن الحافظ أبو عليّ فيما ذكره هنا، ولفظه: في كتاب مسلم بعد قوله في الحديث من قول عمر: "ولا إله غيرك": "وعن قتادة أنه كتب إليه يُخبره عن أنس أنه حدّثه. . ." الحديث، فعطف قوله: "وعن قتادة" على قوله في المسند الأول: "حدّثنا الأوزاعيّ، عن عبدة"، فلما أكمل ذلك الحديث المرسل، قال: "وعن قتادة" يعني أن الأوزاعيّ الذي قال أوّلًا: "عن عبدة" قال أيضًا: "وعن قتادة"، فجاء به كالحديث الواحد كما سمعه ابن مهران من الوليد، ولم يَفصِله مما قبله، والمراد هذا الآخر، مع ما في الأول من التنبيه على مذهب من رأى ذلك، وإن كان مرسلًا موقوفًا، فليس على مسلم فيه دَرْكٌ؛ إذ هو بعض حديثٍ شرطُهُ في باقيه، فأكمل بعض الفائدة بذكره على نصّه دون تعقّب عليه، ثم جاء بعد ذلك أيضًا بحديث الأوزاعيّ، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس مثله. انتهى كلام القاضي -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم.

(كَانَ يَجْهَرُ) أي للتعليم، ففيه أن للإمام أن يجهر بمثل هذا إذا أراد التعليم (بِهَؤُلَاءِ) اسم إشارة للجمع، مطلقًا مذكّرًا أو مؤنّثًا، للعقلاء وغيرهم، ومن غيرهم ما هنا؛ لأنه إشارة إلى "الكلمات"، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦]، وقوله [من الكامل]:

ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللَّوَا … وَالْعَيْشَ بعْدَ أُولَئِكَ الأَيَّامِ

وفيه لغاتٌ: المدّ، وهي لغة أهل الحجاز، وبه جاء القرآن الكريم، وهو مبنيّ على الكسر، والقصر، وهي لغة بني تميم (٣)، وقوله: (الْكَلِمَاتِ) نعتٌ، أو بدل، أو عطف بيان لـ "هؤلاء"، كما قال بعضهم:


(١) "شرح النوويّ " ٤/ ١١١ - ١١٢.
(٢) "إكمال المعلم" ٢/ ٢٨٩.
(٣) راجع: "شرح ابن عقيل على الخلاصة" مع "حاشية الخضريّ" ١/ ٩١ - ٩٢.