للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الرابعة): في الاستشكال الوارد على هذا الحديث.

قال في "الفتح": قوله: "فَأَنْزَل اللهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ١١٣] ": هكذا وقع في هذه الرواية، ورَوَى الطبريّ من طريق شِبْلٍ، عن عمرو بن دينار، قال: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "استَغْفَر إبراهيم لأبيه، وهو مشرك، فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي"، فقال أصحابه: لنستغفرن لآبائنا، كما استغفر نبيّنا لعمه، فنزلت.

وهذا فيه إشكال؛ لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتّفاقًا، وقد ثبت أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى قبر أمه لَمّا اعتَمَرَ، فاستأذن ربه أن يستغفر لها، فنَزَلت هذه الآية، والأصل عدم تكرر النُّزُول.

وقد أخرج الحاكم، وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ، عن مسروق، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا إلى المقابر، فاتّبَعناه، فجاء حتى جلس إلى قبر منها، فناجاه طويلًا، ثم بكى، فبكينا لبكائه، فقال: إن القبر الذي جَلَستُ عنده قبر أمي، واستأذنت ربي في الدعاء لها، فلم يَأْذَن لي، فأنزل عليّ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ١١٣].

وأخرج أحمد من حديث ابن بُريدة، عن أبيه نحوه، وفيه: "نَزَل بنا، ونحن معه قريبٌ من ألف راكب"، ولم يذكر نزول الآية.

وفي رواية الطبريّ من هذا الوجه: "لَمّا قَدِمَ مكة أتى رَسْمَ قبر … "، ومن طريق فُضيل بن مرزوق، عن عطية: "لَقا قَدِم مكة وَقَفَ على قبر أمه، حتى سخنت عليه الشمس؛ رَجَاءَ أن يؤذن له، فيستغفر لها، فنَزَلَت"، وللطبرانيّ من طريق عبد الله بن كيسان، عن عكرمة، عن ابن عباس نحو حديث ابن مسعود، وفيه: "لَمّا هبط من ثنية عسفان" وفيه نزول الآية في ذلك.

فهذه طُرُق يَعْضِدُ بعضُها بعضًا، وفيها دلالة على تأخّر نزول الآية عن وفاة أبي طالب، ويؤيده أيضًا أنه - صلى الله عليه وسلم - قال يوم أحد بعد أن شُجَّ وجهه: "رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

لكن يَحتَمِلُ في هذا أن يكون الاستغفار خاصًّا بالأحياء، وليس البحث فيه. ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخّر، وإن كان سببها تَقَدَّمَ، ويكون لنُزُولها سببان، مُتَقَدَّمٌ، وهو أمر أبي طالب، ومتأخرٌ، وهو أمر آمنة.