للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

-أعني قوله: "كبّر"، "ثم التحف"-؛ لبيان وصف شيخه همام كيفيّة الرفع.

يعني أن همّامًا بيّن كيفيّة رفع يديه بكونهما مقابلَ أذنيه، وفيه أن رفع اليدين يكون بمقابلة الأذنين.

وفي رواية النسائيّ من طريق عبد الجبّار بن وائل، عن أبيه: "رفع يديه حتى تكاد إبهاماه تحاذي شحمتي أذنيه"، وفي لفظ: "فلما كبر رفع يديه أسفل من أذنيه"، وفي رواية أبي داود: "رفع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه، وحاذى بإبهاميه أذنيه، ثم كبّر".

وقد تقدّم في حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- رفع يديه حذو منكبيه، وتقدّم أن الأحسن في الجمع بينه وبين حديث وائل هذا الحمل على اختلاف الأوقات، وأنه يجوز أن يعمل بهما في أوقات مختلفة.

وقد جمع الإمام الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بوجه آخر، وهو أن يرفع يديه حذو منكبيه بحيث تُحاذي أطراف أصابعه فروع أذنيه، أي أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه، ويؤيّد جمعه هذا رواية أبي داود المذكورة.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأما صفة الرفع، فالمشهور من مذهبنا ومذهب الجماهير أنه يرفع يديه حذو منكبيه بحيث تُحاذي أطراف أصابعه فروع أذنيه، أي أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه، فهذا معنى قولهم: حذو منكبيه، وبهذا جمع الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بين روايات الأحاديث، فاستحسن الناس ذلك منه. انتهى (١).

(ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ) بالبناء للفاعل: أي تغطّى به، يقال: لَحَفه، كمنعه: غطّاه باللِّحَاف ونحوه، والتحف به: تغطَّى، واللِّحَاف ككتاب: ما يُلْتَحَف به (٢).

(ثُمَّ وَضَعَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (يَدَهُ الْيُمْنَى) أي كفّه اليمنى، ففيه إطلاق الكلّ وإرادة الجزء، كما في قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} الآية [البقرة: ١٩] أي أناملهم (عَلَى الْيُسْرَى) أي على كفّ يده اليسرى (فَلَمَّا أَرَادَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (أَنْ يَرْكَعَ، أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا) أي ليمكنه تمام الرفع إلى حيال أذنيه؛ لأنه لا يمكنه ذلك مع الالتحاف (ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"،


(١) " شرح النووي" ٤/ ٩٥.
(٢) راجع: "القاموس" ٣/ ١٩٤ - ١٩٥.