للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وليس هذا بخلاف؛ لأن الخلاف كراهية ذلك، وقد يُرسل العالم يديه لِيُري الناسَ أن ليس ذلك بحتم واجب.

وقد ذكر ابن أبي شيبة عن جرير، عن مغيرة، عن أبي مَعْشَر، عن إبراهيم قال: لا بأس أن يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وذَكَر عن عمر بن هارون، عن عبد اللَّه بن يزيد قال: ما رأيت سعيد بن المسيِّب قابضًا يمينه على شماله في الصلاة، كان يرسلهما، وهذا أيضًا يَحْتَمِل ما ذكرنا.

وذَكَر عن يحيى بن سعيد، عن عبد اللَّه بن الْعَيْزار قال: كنت أطوف مع سعيد بن جبير، فرأى رجلًا يصلي واضعًا إحدى يديه على الأخرى، هذه على هذه، وهذه على هذه، فذهب ففرّق بينهما ثم جاء، وهذا يَحْتَمل أن يكون رأى يُسْرَى يديه على يمينه، فانتزعها على نحو ما رُوِي عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه صنعه بابن مسعود، وقد رُوي عن سعيد بن جبير ما يُصَحِّح هذا التأويل؛ لأنه ثبت عنه أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى في صلاته فوق السُّرّة.

فهذا ما رُوي عن بعض التابعين في هذا الباب، وليس بخلاف؛ لأنه لا يثبت عن واحد منهم كراهيةٌ، ولو ثبت ذلك ما كانت فيه حجةٌ؛ لأن الحجة في السنة لمن اتبعها، ومن خالفها فهو محجوج بها، ولا سيما سنةٌ لم يثبت عن واحد من الصحابة خلافها. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن بما سبق أن المذهب الصحيح هو ما عليه الجمهور، من مشروعيّة وضع اليمنى على اليُسرى في الصلاة؛ لوضوح أدلّته، وقد أشبعت البحث في هذا في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد (٢)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في محلّ وضع اليدين في الصلاة:

(اعلم): أنهم اختلفوا فيه على مذاهب:


(١) "التمهيد" ٢٠/ ٧٤ - ٧٦.
(٢) راجع: "ذخيرة العقبى" ١١/ ١٣٦ - ١٤٠.