للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ثُمَّ قَالَ) أبو موسى أيضًا تشديدًا لإنكاره عليهم (أَيُّكُمُ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ) أبو موسى (لَعَلَّكَ يَا حِطَّانُ قُلْتَهَا؟) ولعلّ أبو موسى -رضي اللَّه عنه- خصّ حِطّانًا بهذا الخطاب؛ إدلالًا عليه حيث كان يُلازمه، ولذا قال حطّان: "وقد رَهِبْتُ أن تَبْكعني بها"، حيث إنه توقّع لَمّا قال ذلك الرجل ما لا ينبغي أن يُقال في الصلاة أن أبا موسى سيواجه الناس بالتوبيخ والإنكار عليهم في ذلك، وأنه سيبدأ بمن هو أقرب إليه وألزم له؛ تنبيهًا لغيره ممن جَهِلَ الحكم، وسَتْرًا عليه؛ لئلا يَخْجل، واللَّه تعالى أعلم.

(قَالَ) حطّان: (مَا) نافية (قُلْتُهَا) أي لستُ أنا المتكلّم بهذه الكلمة (وَلَقَدْ رَهِبْتُ) بفتح الراء، وكسر الهاء، من باب تَعِبَ: أي خِفْتُ، والرَّهْبةُ: الخوفُ (١). (أَنْ تَبْكَعَنِي بِهَا) هو بفتح المثنّاة في أوّله، وإسكان الموحّدة بعدها: أي تُبَكِّتَنِي، وتُوبِّخني، قاله النوويّ (٢).

وقال في "اللسان": بَكَّعَه تَبْكِيعًا، وبَكَعَه بَكْعًا: استقبله بما يَكْرَه، وبَكّته. انتهى (٣).

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال ابن الأعرابيّ: الْبَكْعُ: التبكيتُ في الوجه، وهكذا رَوَينا هذا الحرف عن جمهور شُيُوخنا، وكذا كان في كتبهم، وعند ابن ماهان: "تنكتني" بنون أولى، وبعدها الكاف المضمومة، وتاء باثنين فوقها مضمومة، بعدها نون ثانية، قال بعضهم: لعلّه تبكتني بها بالباء بمعنى الأول. انتهى (٤).

(فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا قُلْتُهَا، وَلَمْ أُرِدْ بِهَا إِلَّا الْخَيْرَ) أي لم أتكلم بها للعب واللهو في الصلاة، وإنما قلتها لإرادة الخير والذكر بها (فَقَالَ أَبُو مُوسَى) -رضي اللَّه عنه-: (أَمَا تَعْلَمُونَ) وفي نسخة: "ما تعلمون" بحذف همزة الاستفهام، وهو الذي في مختصر القرطبيّ، فقال في "شرحه": ظاهره النفي، ويَحْتَمِل الاستفتاح، وحُذفت الهمزة تخفيفًا، كما تُحذَف مع الاستفهام. انتهى (٥).


(١) راجع: "المصباح المنير" ١/ ٢٤١.
(٢) "شرح النوويّ" ٤/ ١١٩.
(٣) "لسان العرب" ٨/ ١٩.
(٤) "إكمال المعلم" ٢/ ٢٩٧.
(٥) "المفهم" ٢/ ٣٧.