الأمرين جائزان، ووجه الجزم أن يكون جوابًا للطلب، كما أسلفناه، وأما الرفع فيكون على الاستئناف، واللَّه تعالى أعلم.
(فَإنَّ اللَّهَ تبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) وفي رواية معمر، عن قتادة الآتية:"فإن اللَّه -عزَّ وجلَّ- قضى على لسان نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سَمِع اللَّه لمن حمده"، ومعناه: أن اللَّه تعالى حكم في سابق قضائه وحتمه، وأمضاه وأنزله على نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبلّغه إلى أمته أنه يُجيب دعاء من دعاه، ويقبل حمدَ من حمده، واللَّه تعالى أعلم.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دلالة لما قاله أصحابنا وغيرهم: إنه يستحب للإمام الجهر بقوله: "سمع اللَّه لمن حَمِده"، وحينئذ يسمعونه، فيقولون، وفيه دلالة لمذهب مَن يقول: لا يزيد المأموم على قوله: "ربنا لك الحمد"، ولا يقول معه: "سَمِع اللَّه لمن حمده"، ومذهبنا أنه يجمع بينهما الإمام والمأموم والمنفرد؛ لأنه ثبت أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- جمع بينهما، وثبت أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "صَلُّوا كما رأيتموني أصلي"، وسيأتي بسط الكلام فيه في بابه - إن شاء اللَّه تعالى. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: القول بعدم مشروعيّة التسميع للمأموم هو الراجح؛ لكون هذا الحديث صريحًا فيه، وأما حديث: "صلُّوا كما رأيتموني أصلّي"، فعامّ خُصّ منه عدم متابعته في الجهر بالقراءة إجماعًا، فليُخصّ منه أيضًا هذا؛ لهذا الحديث الصريح الخاصّ، وسيأتي تمام البحث في ذلك في موضعه -إن شاء اللَّه تعالى-.
(وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ، فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ الإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ، وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: فَتِلْكَ بِتِلْكَ) أي تلك اللحظة التي سبقكم بها الإمام في تقدّمه إلى السجود، تُقابَلُ لكم بتأخّركم فيه بعد رفعه لحظة، فتلك اللحظة بتلك اللحظة، فيصير سجودكم بمقدار سجوده.
(وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ) بفتح القاف، وسكون العين: المرّة من القعود، كما قال في "الخلاصة":