للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هكذا هو هنا بلا واو، وفي غير هذا الموضع: "ربنا ولك الحمد"، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الواو وبحذفها، وكلاهما جاءت به روايات كثيرة، والمختار أنه على وجه الجواز، وأن الأمرين جائزان، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر، ونقل القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- اختلافًا عن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- وغيره في الأرجح منهما، وعلى إثبات الواو يكون قوله: "ربنا" متعلقًا بما قبله، تقديره: سمع اللَّه لمن حمده، يا ربنا فاستجب حمدنا ودعاءنا، ولك الحمد على هدايتنا لذلك. انتهى (١).

وعبارة القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقوله: "ربنا ولك الحمد" اختلفت الآثار فيه بإثبات الواو وحذفها، واختَلَف اختيار مالك وغيره من العلماء بين اللفظين، وفي إثبات الواو زيادة؛ لأن قوله: "ربّنا" إجابة قوله: "سمع اللَّه لمن حمده"، أي ربّنا استجِب دُعاءنا، واسمع حمدنا، ولك الحمد على هدايتنا لذلك، وبحذف الواو ليس فيها غير امتثال قول الحمد، ويظهر لي أن اختلاف قول مالك وتردّده في الاختيار بين اللفظين إما لاختلاف الآثار في ذلك، وترجيح أحدهما مرّة على الآخر من جهة الصحّة، أو الشهرة والعمل، أو لمطابقة المعنيين المتقدّمين في "سمع اللَّه لمن حمِدَه"، فإذا جعلنا "سمع اللَّه لمن حمده" بمعنى الحثّ على الحمد كان الوجه في الجواب ربنا لك الحمد دون واو؛ لأنه مطابقٌ لما حُثّ عليه، وامتثالٌ لما نُدِب إليه، وعلى التأويل الآخر الأَولى إثبات الواو؛ لأنه يتضمّن تأكيد الدعاء الأول، وتكراره لقوله: "ربّنا"، أي استجِبْ لنا، أو اسمع حمدنا، ثم يأتي بالعبادة التي دُعِي بالاستجابة لقائلها، وهو الحمد، فيقول: "ولك الحمد"، ومعنى "سمع اللَّه" هنا: أجاب وتقبّل. انتهى (٢).

وقوله: (يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ) أي يستجيب لكم، وهو في نسخ الكتاب بالرفع مضبوطًا بالقلم، بخلاف قوله الماضي: "يجبكم اللَّه"، فإنه وقع في النسخ مجزومًا بضبط القلم، ووقع في نسخ سنن النسائيّ بالجزم في الموضعين، وكلا


(١) "شرح مسلم" ٤/ ١٢١.
(٢) "إكمال العلم" ٢/ ٢٩٩.