للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على أنها زيادة ثقة، والذي يترجّح عندي قول الجمهور؛ لقوّة حجّتهم، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

(المسألة الثانية): أنه ينبغي على قول من قال بصحّة هذه الزيادة -أعني: "وإذا قرأ فأنصتوا"- كالمصنّف ومن قال بقوله، أن يكون هذا الأمر مقيّدًا بما سوى الفاتحة، فلا يجوز للمصلّي إذا سمع قراءة الإمام أن يقرأ سوى الفاتحة، وأما الفاتحة فلا بدّ من قراءتها؛ لصحّة استثنائها عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

فقد أخرج أبو داود في "سننه" بسند صحيح، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: كنا خلف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في صلاة الفجر، فقرأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فثَقُلَت عليه القراءة، فلما فرغ قال: "لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ " قلنا: نعم هَذًّا يا رسول اللَّه، قال: "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها".

وأخرج الإمام أحمد في "مسنده" بسند صحيح أيضًا، عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من أصحاب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لعلكم تقرؤون والإمام يقرأ؟ " مرتين أو ثلاثًا، قالوا: يا رسول اللَّه، إنا لنفعل، قال: "فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب".

فهذا الحديث الصحيح استثنى الفاتحة، فأوجب قراءتها على المأموم، وهذا هو المذهب الراجح من مذاهب العلماء، وقد تقدّم ذكر مذاهبهم، وأدلّتها مستوفًى في "باب وجوب قراءة الفاتحة في كلّ ركعة".

وقد ذكر الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تحقيق هذه المسألة في الجزء الذي وضعه في القراءة خلف الإمام، قال -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما مُلخّصه:

واحتج هذا القائل -يعني أبا حنيفة- بقوله تعالى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤]، ثم قال: وهذا منقوض بالثناء، مع أنه تطوّع، والقراءة فرض، فأوجب عليه الإنصات بترك فرض، ولم يوجبه بترك سنة، فحينئذ يكون الفرض عنده أهون حالًا من التطوع.

واعترضه أيضًا بفرع، وهو أن المصلي لو جاء والإمام في الركعة الأولى من الفجر، فإنه يصلي عنده ركعتي الفجر، ويترك الاستماع والإنصات، مع أنه -عليه السلام- قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".