قال: ويقال له: أرأيت إذا لم يجهر الإمام، أيقرأ خلفه؟ فإن قال: لا، فقد بطل دعواه؛ لأن الاستماع إنما يكون لما يُجْهَر به.
ثم ذكر عن ابن عباس من غير سند:"فاستمعوا له، وأنصتوا"، قال: في الخطبة، ثم قال: ولو أريد به في الصلاة، فنحن نقول: إنما يقرأ خلف الإمام عند سكوته، وقد رَوَى سمرة -رضي اللَّه عنه- قال: كان للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سكتتان: سكتة حين يكبر، وسكتة حين يفرغ من قراءته، قال: وكان أبو سلمة بن عبد الرحمن، وميمون بن مِهْران، وسعيد بن جبير، وغيرهم يرون القراءة عند سكوت الإمام؛ عملًا بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، والإنصات إذا قرأ الإمام؛ عملًا بالآية.
قال: واحتج أيضًا بقوله -عليه السلام-: "من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة"، قال: وهذا حديث لم يثبت عند أهل العلم من أهل الحجاز والعراق؛ لإرساله وانقطاعه، أما إرساله، فرواه عبد اللَّه بن شداد، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأما انقطاعه، فرواه الحسن بن صالح، عن جابر الجعفيّ، عن أبي الزبير، عن جابر، ولا يُدْرَى أسمع جابر من أبي الزبير أم لا؟ قال: ولو ثبت، فتكون الفاتحة مستثناةً منه، أي مَن كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة بعد الفاتحة، كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جُعِلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، وقال في حديث آخر:"إلا المقبرة"، مع انقطاعه. قال: ونظير هذا قوله -عليه السلام- لسليك الغطفاني حين جاء وهو يخطب:"قم، فاركع"، مع أنه أمر بالإنصات للخطبة، فقال:"إذا قلت لصاحبك: أنصت، والإمام يخطب يوم الجمعة، فقد لغوت"، ولكنه أخرج الصلاة من هذا الإطلاق.
قال: واحتَجّ أيضًا بخبر رُوي عن داود بن قيس، عن ابن نجاد، رجل من ولد سعد، عن سعد، قال:"وَدِدت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جَمْرة"، قال: وهذا مرسلٌ، فإن ابن نجاد لم يُعْرَف، ولا سُمِّي.
قال: واحتَجّ أيضًا بحديث رواه أبو حُبَاب، عن سلمة بن كُهَيل، عن إبراهيم، قال: قال عبد اللَّه: "وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام مُلِئ فُوهُ نَتْنًا"، قال: وهذا مرسلٌ لا يُحْتَجّ به، وخالفه ابن عوان، عن إبراهيم، عن الأسود، وقال: رَضْفًا، وهذا كله ليس من كلام أهل العلم لوجهين: