للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- أيضًا: حُكْمُ من خُوطب بأمر يَحْتَمِل لوجهين، أو مُجْمَلٍ لا يَفْهَمُ مراده، أو عامّ يَحْتَمِل الخصوص أن يسأل، ويَبحث إذا أمكنه ذلك، واتَّسَعَ له الوقتُ للسؤال؛ إذ لفظ الصلاة الواردة في القرآن بقوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ} محتمل لأقسام معاني لفظ الصلاة، من الرحمة، والدعاء، والثناء، فقد قيل: صلاة اللَّه عليه: ثناؤه عليه عند الملائكة، ومن الملائكة دعاءٌ، وقيل: هي من اللَّه رحمةٌ، ومن الملائكة رقّةٌ، ودعاء بالرحمة، وقيل: هي من اللَّه لغير النبيّ رحمة، وللنبيّ تشريف، وزيادة تكرمة، وقيل: هي من اللَّه وملائكته تبريك، ومعنى {يُصَلُّونَ} يبَرِّكون.

فيَحْتَمِل أنّ الصحابةَ سألوا عن المراد بالصلاة؛ لاشتراك هذه اللفظة، وإلى هذا ذهب بعض المشايخ في معنى سؤالهم في هذا الحديث.

وقد اختَلَفَ الأصوليّون في الألفاظ المشتركة إذا وردت مطلقةً، فقيل: تُحْمَلُ على عموم مقتضاها من جميع معانيها ما لم يَمنَع مانعٌ، وقيل: تُحمَل على الحقيقة دون ما تُجُوِّز به، وإليه نحا القاضي أبو بكر.

وذهب بعض المشايخ إلى أن سؤالهم عن صفة الصلاة، لا عن جنسها؛ لأنهم لم يؤمروا بالرحمة، ولا هي لهم، فإن ظاهر أمرهم بالدعاء (١)، وإليه نحا الباجيّ.

قال القاضي عياض: وهو أظهر في اللفظ، وإن كانت الصلاة كما قدّمنا مشتركة اللفظ، والخلاف في معنى الصلاة من اللَّه والملائكة موجود، ويعضده السؤال فيه بـ "كيف" التي تقتضي الصفة لا الجنس الذي يُنقل عنه بها. انتهى كلام القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الاحتمال هو المتعيّن هنا، وأما الاحتمال الأول، فلا يخفى بُعده، فتبصّر.


(١) لعل الصواب: فالظاهر أن أمرهم بالدعاء، فليُحرّر.
(٢) "إكمال المعلم" ٢/ ٣٠١ - ٣٠٢.