وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنه-: إن معنى صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار.
وقال الضحاك بن مُزاحم: صلاة اللَّه رحمته، وفي رواية عنه: مغفرته، وصلاة الملائكة الدعاء، أخرجهما إسماعيل القاضي عنه، وكأنه يريد الدعاء بالمغفرة ونحوها.
وقال المبرد: الصلاة من اللَّه الرحمة، ومن الملائكة رِقّة تَبْعَث على استدعاء الرحمة.
وتُعُقِّب بأن اللَّه غاير بين الصلاة والرحمة في قوله:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}[البقرة: ١٥٧]، وكذلك فَهِم الصحابة المغايرةَ من قوله تعالى:{صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا}[الأحزاب: ٥٦] حتى سألوا عن كيفية الصلاة مع تقدم ذكر الرحمة في تعليم السلام، حيث جاء بلفظ:"السلام عليك أيها النبيّ ورحمة اللَّه وبركاته"، وأقرّهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلو كانت الصلاة بمعنى الرحمة، لقال لهم: قد علمتم ذلك في السلام.
وجَوَّز الحليميّ أن تكون الصلاة بمعنى السلام عليه، وفيه نظرٌ، وحديث الباب يَرُدّ على ذلك.
وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية أن معنى صلاة اللَّه على نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثناؤه عليه، وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من اللَّه تعالى، والمراد طلب الزيادة، لا طلب أصل الصلاة.
وقيل: صلاة اللَّه على خلقه تكون خاصّةً، وتكون عامّةً، فصلاته على أنبيائه هي ما تقدم من الثناء والتعظيم، وصلاته على غيرهم الرحمة فهي التي وَسِعت كل شيء.
ونَقَل عياض عن بَكْر القشيريّ قال: الصلاة على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من اللَّه تشريف، وزيادة تَكْرِمة، وعلى من دون النبيّ رحمة، وبهذا التقرير يَظْهَر الفرق بين النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبين سائر المؤمنين، حيث قال اللَّه تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}، وقال قبل ذلك في السورة المذكورة:{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}، ومن المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من ذلك أرفع مما يليق بغيره، والإجماع منعقد على أن في هذه الآية من تعظيم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والتنويه به ما ليس في غيرها.