للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا اللَّه عنه: استظهار القاضي صلاة من في المسجد بصلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- محلّ نظر؛ لأن هذا الحديث لا يدلّ عليه، كما لا يخفى، فتأمل.

قال: وفيه جواز صلاة الإمام على أرفع مما عليه أصحابه إذا كانت معه جماعة هناك، قال: وقد روي هذا عن مالك، وحمله شيوخنا على تفسير ما وقع من الكراهية مجملًا، وأن منعه من ذلك إنما هو لمن يفعله تكبّرًا، وهو ضدّ ما وُضعت له الصلاة من التواضع والسكينة. انتهى (١).

قال العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذه الصورة إن صحّ فيها أن أهل المسجد صلَّوْا مقتدين بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ليست من صُوَر المنع عند مالك وأبي حنيفة؛ لأنهما يقولان: إن كان مع الإمام في العلو طائفة جازت الصلاة بالذين أسفل، وإلا فلا. انتهى (٢).

(فَصَلَّى بِنَا) حال كونه -صلى اللَّه عليه وسلم- (قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا) بالضمّ جمع قاعد، قال في "الفتح": ظاهره يخالف حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، فإن فيه: "وصلّى وراءه قوم قيامًا، فأشار إليهم أن اجلسوا. . . ".

والجمع بينهما أن في رواية أنس هذه اختصارًا، وكأنه اقتَصَر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم بالجلوس، وفي رواية للبخاريّ من طريق حميد، عن أنس، بلفظ: "فصلَّى بهم جالسًا، وهم قيامٌ فلما سلم، قال: إنما جُعل الإمام. . . "، وفيها أيضًا اختصارٌ؛ لأنه لم يُذكَر فيه قولُهُ لهم: "اجلسوا".

والجمع بينهما أنهم ابتدءُوا الصلاة قيامًا، فأومأ إليهم بأن يقعدوا فقعدوا، فنَقَلَ كلٌّ من الزهريّ وحميد أحد الأمرين، وجمعتهما عائشة، وكذا جمعهما جابر في حديثه الآتي في هذا الباب.

وجَمَعَ القرطبيّ بين الحديثين باحتمال أن يكون بعضهم قَعَدَ من أول الحال، وهو الذي حكاه أنس، وبعضهم قام حتى أشار إليه بالجلوس، وهذا الذي حكته عائشة.

وتُعُقِّب باستبعاد قعود بعضهم بغير إذنه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه يستلزم النسخ بالاجتهاد؛ لأن فرض القادر في الأصل القيام.


(١) "إكمال المعلم" ٢/ ٣١٥.
(٢) "طرح التثريب" ٢/ ٣٤٥ - ٣٤٦.