للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يكن في مرض موته، وإنما كان ذلك حيث سَقَط عن الفرس، كما في رواية أبي سفيان، عن جابر أيضًا، قال: "رَكِب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرسًا بالمدينة، فصرعه على جِذْع نخلة، فانفَكَّت قدمه. . . " الحديث، أخرجه أبو داود، وابن خزيمة، بإسناد صحيح، فلا حجة على هذا لما ادّعاه، إلا أنه تمسك بقوله في رواية أبي الزبير: "وأبو بكر يُسمع الناس التكبير"، وقال: إن ذلك لم يكن إلا في مرض موته؛ لأن صلاته في مرضه الأول كانت في مَشْرُبة عائشة، ومعه نفر من أصحابه، لا يحتاجون إلى من يُسمعهم تكبيره، بخلاف صلاته في مرض موته، فإنها كانت في المسجد بجمع كثير من الصحابة، فاحتاج أبو بكر أن يسمعهم التكبير. انتهى.

ولا راحة له فيما تمسك به؛ لأن إسماع التكبير في هذا لم يتابع أبا الزبير عليه أحدٌ، وعلى تقدير أنه حفظه، فلا مانع أن يُسمعهم أبو بكر التكبير في تلك الحالة؛ لأنه يُحْمَل على أن صوته -صلى اللَّه عليه وسلم- كان خفيًّا من الوجع، وكان من عادته أن يجهر بالتكبير، فكان أبو بكر يجهر عنه بالتكبير لذلك، ووراء ذلك كلِّه أنه أمر مُحْتَمِل لا يُتْرَك لأجله الخبر الصريح بأنهم صلَّوا قيامًا، كما تقدم في مرسل عطاء وغيره، بل في مرسل عطاء أنهم استمروا قيامًا إلى أن انقضت الصلاة.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا فيه نظرٌ لا يخفى؛ لأن مرسل عطاء ضعيف، كما أسلفناه آنفًا، فلا يكون حجة في المسألة، فتدبّر، ومما يؤيّد ذلك ما أشار إليه بقوله:

نعم وقع في مرسل عطاء المذكور متصلًا به بعد قوله: "وصلّى الناس وراءه قيامًا"، فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو استقبلت من أمري ما استدبرتُ ما صلّيتم إلا قعودًا، فصلُّوا صلاة إمامكم ما كان، إن صلّى قائمًا، فصلّوا قيامًا، وإن صلّى قاعدًا فصلّوا قعودًا"، وهذه الزيادة تُقَوِّي ما قال ابن حبان أن هذه القصة كانت في مرض موت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا هو العدل، فلو قدّرنا صلاحية مرسل عطاء للاحتجاج به، لكان الاحتجاج بهذه الزيادة أولى وأقرب، فنقول: إن حجة دعوى النسخ بمرسل عطاء بطلت بما دلّت عليه هذه الزيادة؛ لأنه أمرهم بأن يصلّوا قعودًا إذا صلّى الإمام قاعدًا.