للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحاصل أن الظاهر صحّة ما قاله ابن حبّان -رَحِمَهُ اللَّهُ- في المسألة، واللَّه تعالى أعلم.

قال: ويُستفاد منها -أي من هذه الزيادة- نسخ الأمر بوجوب صلاة المأمومين قعودًا إذا صلّى إمامهم قاعدًا؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمرهم في هذه المرة الأخيرة بالإعادة، لكن إذا نُسخ الوجوب يبقى الجواز، والجواز لا ينافي الاستحباب، فيُحْمَل أمره الأخير بأن يصلُّوا قعودًا على الاستحباب؛ لأن الوجوب قد رُفِع بتقريره لهم، وترك أمرهم بالإعادة، هذا مقتضى الجمع بين الأدلة، وباللَّه التوفيق، واللَّه أعلم. انتهى كلام الحافظ المحقّق -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أخيرًا تحقيقٌ حسنٌ، إلا احتجاجه على الاستحباب بمرسل عطاء المذكور؛ لأنك عرفت أنه ضعيف، فتأمّل.

وبالجملة فهذا يدلّ على إنصاف الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في هذه المسألة حيث خالف مذهبه؛ لأن مذهب الشافعي بخلافه، وهذا هو الذي يجب على كلّ مسلم عَرَفَ صحيح الأحاديث من سقيمها، وعَرَف الجمع بين مختلفها، لا أن يتعصّب لرأي بعض الناس، فيتكلّف ويتعسّف بتأويل ما لا يَقبل التأويل، وهو صرف ظواهر الأحاديث عن مقتضاها؛ لمخالفتها مذهبه.

والحاصل أن الأرجح ما ذهب إليه من قال: إن من صلّى خلف إمام يصلّي قاعدًا لعذر منعه من القيام يصلّي قاعدًا تبعًا لإمامه كما فعل الصحابة وراء النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأمره، ولكن إن صحّ ما دلّ عليه مرسل عطاء المذكور، فلا مانع لمن صلّى قائمًا؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقرّهم عليه، ولم يأمرهم بإعادة ما صلّوا قائمين، فدلّ على جوازه، وإن كان الأولى الصلاة قاعدًا؛ لأمره -صلى اللَّه عليه وسلم- به، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف الروايات، هل كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الإمامَ، أو أبو بكر الصدّيق -رضي اللَّه عنه- هو الإمام؟:

(اعلم): أن جماعةً قالوا: الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- صريح في أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان هو الإمامَ؛ لأنه جَلَس عن يسار أبي بكر، ولقوله: فكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلّي بالناس جالسًا، وأبو بكر قائمًا يقتدي به، وكان أبو بكر مبلغًا؛ لأنه لا يجوز أن يكون للناس إمامان.