ووقع في رواية مسروق عنها أيضًا اختلاف، فأخرجه ابن حبان من رواية عاصم، عن شقيق، عنها بلفظ:"كان أبو بكر يصلّي بصلاته، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر"، وأخرجه الترمذيّ، والنسائيّ، وابن خزيمة، من رواية شعبة، عن نعيم بن أبي هند، عن شقيق، بلفظ:"أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلّى خلف أبي بكر".
وظاهر رواية محمد بن بشار أن عائشة لم تشاهد الهيئة المذكورة، ولكن تضافرت الروايات عنها بالجزم بما يدل على أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان هو الإمام في تلك الصلاة.
منها: رواية موسى بن أبي عائشة التي أشرنا إليها -يعني الرواية المذكورة هنا- ففيها:"فجَعَل أبو بكر يصلّي بصلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والناس بصلاة أبي بكر"، وهذه رواية زائدة بن قُدامة، عن موسى.
وخالفه شعبة أيضًا، فرواه عن موسى، بلفظ:"أن أبا بكر صلّى بالناس، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الصف خلفه".
فمن العلماء: مَن سَلَك الترجيح، فقدَّم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأمومًا للجزم بها، ولأن أبا معاوية أحفظ في حديث الأعمش من غيره.
ومنهم: مَن سَلَك عكس ذلك، ورَجّح أنه كان إمامًا، وتمسك بقول أبي بكر -رضي اللَّه عنه- الآتي في الباب التالي:"ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-".
ومنهم: مَن سَلَك الجمعَ، فحمل القصة على التعدد، وأجاب عن قول أبي بكر كما سيأتي في بابه.
ويؤيده اختلاف النقل عن الصحابة، غير عائشة -رضي اللَّه عنها-، فحديث ابن عباس فيه: أن أبا بكر كان مأمومًا، وكذا في رواية أرقم بن شُرَحبيل عن ابن عباس (١)، وحديث أنس فيه: أن أبا بكر كان إمامًا، أخرجه الترمذيّ وغيره من
(١) هو ما أخرجه ابن ماجه في "سننه" بإسناد حسن (١٢٣٥) عن الأرقم بن شُرَحبيل، عن ابن عباس، قال: لَمّا مرض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مرضه الذي مات فيه، كان في بيت عائشة، فقال: "ادعوا لي عليًّا"، قالت عائشة: يا رسول اللَّه، ندعو لك أبا بكر؟ قال: "ادعوه"، قالت حفصة: يا رسول اللَّه، ندعو لك عمر؟ قال: "ادعوه"، قالت =