للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصواب مع دوام مراقبته للَّه عز وجل، وهذا لا ينافي قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإني أراكم من وراء ظهري"؛ لاحتمال أن يكون غير منتبه لهم أوّلًا حتى يراهم من وراء ظهره؛ لاشتغاله بشأن الصلاة، فلما انتبه لذلك بسبب التفاته رآهم.

فقول السنديّ: إن هذا يقتضي أن رؤيته -صلى اللَّه عليه وسلم- من ورائه ما كانت على الدوام، فيه نظرٌ؛ لما ذكرته آنفًا، واللَّه تعالى أعلم.

(فَرَآنَا) أي الصحابة الحاضرين لعيادته (قِيَامًا) منصوب على الحال، كما تقدّم في الحديث الماضي، أي قائمين (فَأَشَارَ إِلَيْنَا) أي بالقعود (فَقَعَدْنَا، فَصَلَّيْنَا بِصَلَاتِهِ قُعُودًا) بالضمّ جمع قاعد، أي حال كوننا قاعدين (فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: "إِنْ كِدْتُم) "إن" بكسر الهمزة هي المخفّفة من الثقيلة، أي إنكم كدتم: أي قاربتم (آنِفًا) بالمدّ والقصر، قال في "القاموس": وقال آنفًا، كصاحب، وكَتِفٍ، وقُرئ بهما: أي مُذْ ساعة، أي في أول وقتٍ يَقرُب منّا. انتهى (١) (لَتَفْعَلُونَ) اللام هي الفارقة بين "إِنِ" المخفّفة و"إِنِ" النافية، كما أشار إليها في "الخلاصة" بقوله:

وَخُفِّفَت "إِنَّ" فَقَلَّ الْعَمَلُ … وَتَلْزَمُ اللَّامُ إِذَا مَا تُهْمَلُ

وفي رواية النسائيّ: "إن كنتم تفعلون" بلفظ "كنتم" بدل "كدتم"، وحذف اللام لدلالة القرينة عليها، كما قال في "الخلاصة":

وَرُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا إِنْ بَدَا … مَا نَاطِقٌ أَرَادَهُ مُعْتَمِدَا

(فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ) جيلان من الناس معروفان (يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ) جملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، وهو ما وقع جوابًا عن سؤال مقدّر، فكأنهم قالوا له: ماذا يفعلون؟، فقال: "يقومون على ملوكهم" أي بين أيديهم (وَهُمْ قُعُودٌ) الضمير للملوك، أي والحال أنهم قاعدون (فَلَا تَفْعَلُوا) حُذف مفعوله؛ لدلالة السياق عليه، أي لا تفعلوا فعلهم.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه النهي عن قيام الغِلْمان، والأتباع على رأس متبوعهم الجالس لغير حاجة، وأما القيام للداخل إذا كان من أهل الفضل والخير، فليس من هذا، بل هو جائز، قد جاءت به أحاديث، وأطبق عليه


(١) "القاموس المحيط" ٣/ ١١٩.