للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي رواية البخاريّ: "ما رأينا منظرًا (قَطُّ) أي في الزمان الماضي، وهي بفتح القاف، وتشديد الطاء مضمومةً في أفصح اللغات، ظرف زمان لاستغراق ما مضى وتختصّ بالنفي، يقال: ما فعلته قطّ، والعامّة يقولون: لا أفعله قطُّ، وهو لحنٌ، واشتقاقه من قَطَطْتُهُ: أي قطعته، فمعنى ما فعلته قطّ: ما فعلته فيما انقطع عن عمري؛ لأن الماضي منقطع عن الحال والاستقبال، وبُنِيتْ؛ لتضمّنها معنى "مُذْ، وإلى إذ المعنى: مُذْ أن خُلِقتُ إلى الآن، وعلى حركة؛ لئلا يلتقي ساكنان، وكانت ضمّةً؛ تشبيهًا لها بالغايات، وقد تُكْسر على أصل التقاء الساكنين، وقد تُتْبَع قافه طاءه في الضمّ، وقد تُخَفّف طاؤه مع ضمّها، أو إسكانها، ذكره ابن هشام الأنصاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "مغنيه" (١).

(كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، حِينَ وَضَحَ) أي ظهر (لَنَا، قَالَ) أنس -رضي اللَّه عنه-: (فَأَوْمَأَ) أي أشار، يقال: أومأتُ إليه إيماءً: أشرتُ إليه بحاجب، أو يدٍ، وفي لغة: وَمَأْتُ وَمْئًا، من باب نَفَعَ، قاله الفيّوميّ (٢). (نَبِيُّ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ) "أن" مصدريّة، والمصدر المؤوّل، مجرور بحرف جرّ مقدّر، أي بالتقدّم، وهذا التقدير قياسٌ، كما قال في "الخلاصة":

وَعَدِّ لَازِمًا بِحَرْفِ جَرِّ … وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لِلْمُنْجَرِّ

نَقْلًا وَفِي "أَنَّ" وَ"أَنْ" يَطَّرِدُ … مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَـ "عَجِبْتُ أَنْ يَدُوا"

ويَحْتَمِلُ أن يكون مفعولًا لـ "أومأ"، بتضمينه معنى "طَلَبَ" أي طلب إليه التقدّم.

ثم إن قوله: "فأومأ. . . إلخ" ليس مخالفًا لقوله في أوله: "فتقدّم أبو بكر"؛ إذ في السياق حذف يظهر من رواية الزهريّ التي قبله، حيث قال فيها: "فنكص أبو بكر".

وحاصل ذلك أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- تقدّم لأمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- له بذلك، فلما كشف -صلى اللَّه عليه وسلم- الحجاب ظنّ أنه خارجٌ إليهم ليصلّي بهم، فتأخّر، فأشار إليه -صلى اللَّه عليه وسلم- حينئذ أن يرجع إلى مكانه، ويستمرّ على إمامته (٣)، واللَّه تعالى أعلم.


(١) "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" ص ١٨١.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٦٧٣.
(٣) راجع: "الفتح" ٢/ ١٩٤.