للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفيه دليلٌ على أن الإمام الراتب إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخيّر بين أن يأتمّ به، أو يؤمّ هو، ويصير النائب مأمومًا من غير أن يقطع الصلاة، ولا يبطل شيء من ذلك صلاة أحد من المأمومين.

(ثُمَّ انْصَرَفَ) أي سلّم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من الصلاة بعد أن انتهى منها (فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا) استفهاميّة، أي أيُّ شيء (مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ) بضمّ الموحّدة، يقال: ثبت الشيءُ يثبُتُ ثُبُوتًا، من باب قعد: دام واستقرّ، فهو ثابتٌ (١)، أي تدوم وتستقرّ إمامًا تصلي بالناس (إِذْ) ظرفيّة متعلّقة بـ "تثبُت" (أَمَرْتُكَ؟ ") أي وقت أمري لك بذلك (قَالَ) وفي نسخة: "فقال (أَبُو بَكْرٍ) -رضي اللَّه عنه- (مَا) نافية (كَانَ) وفي رواية النسائيّ: "ما كان ينبغي" (لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ) -بضم القاف، وتخفيف الحاء المهملة، وبعد الألف فاء- كنية والد الصدّيق، واسمه عثمان بن عامر القرشيّ، أسلم عام الفتح، وعاش إلى خلافة عمر -رضي اللَّه عنه-، ومات سنة أربع عشرة.

وإنما لم يقل أبو بكر: ما لي، أو ما لأبي بكر؛ تحقيرًا لنفسه، واستصغارًا لمرتبته عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

(أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) وفي رواية الحمادين، والماجشون: "أن يؤُمّ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وفي رواية للنسائيّ: "ما كان اللَّه ليرى ابن أبي قُحافة بين يدي نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم-".

والمراد من "بين يديه" قُدّامه، وقال الكرمانيّ: أو لفظ "يدي" مقحم، وتعقّبه العينيّ بأنه إذا كان لفظ "يدي" مقحمًا لا ينتظم المعنى على ما لا يخفى. انتهى (٢)، وهو تعقّب جيّد، واللَّه تعالى أعلم.

وقال في "المنهل": قوله: "ما كان لابن أبي قُحافة. . . إلخ" يعني ما كان ينبغي لابن أبي قُحافة أن يؤمّ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَبِلَ عُذره، حيث لم يُعنّفه على مخالفة أمره.

وفيه: أن من أُكرم بكرامة يُخيَّر فيها بين القبول والترك إذا علم أن الأمر ليس على طريق الإلزام. انتهى (٣).


(١) راجع: "المصباح المنير" ١/ ٨٠.
(٢) "عمدة القاري" ٥/ ٣٠٦ - ٣٠٧.
(٣) "المنهل العذب المورود" ٦/ ٤٦ - ٤٧.