للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(أَنْ صَلَّوُا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا) "أن" بفتح الهمزة مصدريّة، والمصدر المؤوّل مجرور بحرف جرّ محذوف قياسًا، كما تقدّم البحث عنه قريبًا.

[فإن قلت]: كيف بقي عبد الرحمن بن عوف إمامًا في صلاته، وتأخر أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- ليتقدم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ في القصّة السابقة.

[أجيب]: بوجود الفرق بينهما، وذلك أن في قضية عبد الرحمن كان قد ركع ركعة، فترك النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- التقدم؛ لئلا يَخْتَلّ ترتيب صلاة القوم، بخلاف قضية أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، فإنه كان في أول ركعة من صلاته، فلا يحصل بتقدّم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على الناس اختلالٌ، أفاده النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

والحديث متّفقٌ عليه، وتخريجه، وبقيّة مسائله قد استوفيتها في أبواب المسح من "كتاب الطهارة" برقم [٢٣/ ٦٣٩] فلا أطيل الكتاب بإعادتها، فراجعها إن شئت تستفد علمًا جمًا، وباللَّه تعالى التوفيق.

[تنبيه]: مناسبة إيراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- لحديث المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- هنا لبيان أن الإمام الراتب إذا تأخّر عن أول الوقت يستَحبّ للجماعة أن يقدّموا أحدهم، فيصلّي بهم، ولكن إذا وَثِقوا لحسن خلق الإمام، وأنه لا يتأذّى من ذلك، ولا يترتّب عليه فتنة، فأما إذا لم يَأمنوا أذاه، فإنهم يصلّون في أول الوقت فرادى، ثم إن أدركوا الجماعة بعد استُحبّ لهم إعادتها معهم، كما أمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا ذرّ -رضي اللَّه عنه- بذلك، فقد أخرج المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- عن أبي ذرّ -رضي اللَّه عنه- قال: قال لي رسول اللَّه لى اللَّه عليه وسلم -: "كيف أنت إذا كانت عليك أمراء، يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ " قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: "صَلّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّ، فإنها لك نافلة"، وفي لفظ: "ثم إن أقيمت الصلاة، فصلِّ معهم، فإنها زيادة خير"، وفي لفظ: قال: "صلِّ الصلاة لوقتها، ثم اذهب لحاجتك، فإن أقيمت الصلاة وأنت في المسجد فصلِّ".

وفي الحديث أيضًا بيان فضل عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه- حيث قدّموه للصلاة بهم، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) "شرح النوويّ" ٣/ ١٧٣.