وعند ابن خزيمة:"صلّى بنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الظهر، فلما سلّم نادى رجلًا كان في آخر الصفوف، فقال: يا فلان ألا تتّقي اللَّه، ألا تنظر كيف تصلّي؟ إن أحدكم إذا قام يصلّي إنما يقوم يناجي ربّه، فلينظر كيف يناجيه، إنكم ترون أني لا أراكم؟ إني واللَّه أراكم من خلف ظهري كما أرى من بين يديّ".
وفي لفظ:"صلّى بنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- العصر، فبَصُرَ برجل يصلّي، فقال: يا فلان اتّق اللَّه، أحسن صلاتك، أترون أني لا أراكم؟ إني لأرى من خلفي كما أرى من بين يديّ، أحسنوا صلاتكم، وأتمّوا ركوعكم وسجودكم".
(أَلا) أداة عَرْض، وهو الطلب برفق، أو تحضيض، وهو الطلب بحثّ، وهو المناسب هنا، كما يدلّ عليه السياق (تُحْسِنُ) بضمّ أوله، وكسر ثالثه، من الإحسان، وفي بعض النسخ:"ألا تُحَسّن" بالتشديد، من التحسين، يقال: حَسّن الشيءَ: إذا زيّنه، ويقال: أحسنتَ الشيءَ: عرفته، وأتقنته، أفاده في "المصباح"، ونحوه في "مختار الصحاح"(١)، أي ألا تُزَيِّن (صَلَاَتَكَ؟) وتتقنها بإتمام الركوع والسجود والخشوع.
قال بعضهم: أصل الهمزة التي للاستفهام التوبيخيّ بمعنى لا ينبغي، دخلت على "لا" النافية، فصار الكلام لا ينبغي أن لا تُحسن صلاتك، ونفي النفي إثبات، فيصير المعنى: ينبغي أن تحسن صلاتك. انتهى.
(أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى، كَيْفَ يُصَلِّي؟) أي ينبغي للمصلّي النظر، والمرافى من النظر التفكّر والتأمّل، أي ليفكّر المصلّي في صلاته، ويقارن بين ما يؤدّي، وبين ما ينبغي (فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ) الفاء للتعليل، وفي الكلام مضافٌ محذوفٌ، أي لنفع نفسه، وفائدة نفسه، فإن اللَّه تعالى غنيّ عن الإنسان، وعن عبادته، وما أوجب الصلاة إلا لمثوبة العبد ومجازاته، ومن عَرَفَ أن الفعل لفائدة نفسه أحسن، وأتقن عمله، فليس هناك من هو أحبّ إلى الإنسان من نفسه غالبًا.
(إِنِّي وَاللَّهِ لَأُبْصِرُ) بضم أوله، من الإبصار (مِنْ) بكسر الميم في الموضعين، وهي الجارّة، وفي بعض النسخ بفتحها، وعليه فهي موصولة