للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَرَائِي) وفي الرواية التالية: "من بعد ظهري" (كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال العلماء: معناه أن اللَّه تعالى خَلَق له -صلى اللَّه عليه وسلم- إدراكًا في قفاه يُبْصِر به مِن ورائه، وقد انخرقت العادة له -صلى اللَّه عليه وسلم- بأكثر من هذا، وليس يَمنع من هذا عقلٌ ولا شرعٌ، بل ورد الشرع بظاهره، فوجب القول به.

قال القاضي: قال أحمد بن حنبل -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وجمهور العلماء: هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقةً. انتهى (١).

وقال في "الفتح": وقد اختُلِف في معنى ذلك، فقيل: المراد بها العلم، إما بأن يوحى إليه كيفية فعلهم، وإما أن يُلْهَم، وفيه نظر؛ لأن العلم لو كان مرادًا لم يقيِّده بقوله: "من وراء ظهري".

وقيل: المراد أنه يَرَى من عن يمينه، ومن عن يساره ممن تدركه عينه مع التفات يسير في النادر، ويوصف من هو هناك بأنه وراء ظهره، وهذا ظاهر التكلف، وفيه عدول عن الظاهر بلا موجب.

والصواب المختار أنه محمول على ظاهره، وأن هذا الإبصار إدراك حقيقيّ خاصّ به -صلى اللَّه عليه وسلم- انخرقت له فيه العادة، وعلى هذا عَمِلَ البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فقد أخرج هذا الحديث في علامات النبوة، وكذا نُقِل عن الإمام أحمد وغيره.

ثم ذلك الإدراك يجوز أن يكون برؤية عينه انخرقت له العادة فيه أيضًا، فكان يرى بها من غير مقابلة؛ لأن الحق عند أهل السُنة أن الرؤية لا يشترط لها عقلًا عضو مخصوص، ولا مقابلة ولا قرب، وإنما تلك أمور عاديةٌ، يجوز حصول الإدراك مع عدمها عقلًا، ولذلك حكموا بجواز رؤية اللَّه تعالى في الدار الآخرة، خلافًا لأهل البِدَع؛ لوقوفهم مع العادة.

وقيل: كانت له عين خلف ظهره يرى بها من وراءه دائمًا.

وقيل: كان بين كتفيه عينان مثل سمّ الخياط يبصر بهما، لا يحجبهما ثوب ولا غيره.

وقيل: بل كانت صورهم تنطبع في حائط قبلته، كما تنطبع في المرآة، فيرى أمثلتهم فيها، فيشاهد أفعالهم. انتهى (٢).


(١) "شرح النوويّ" ٤/ ١٤٩ - ١٥٠.
(٢) "الفتح" ١/ ٦٦٦.