للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هناك نساء، فيتأخّر مع الإمام حتى ينصرفن إلى بيوتهنّ قبل الاختلاط بالرجال.

وقد أخرج الطبرانيّ في "المعجم الكبير" بإسناد رجاله ثقات، عن أبي الأحوص، أن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: "إذا كنت خلف الإمام، فلا تركع حتى يركع، ولا تسجد حتى يسجد، ولا ترفع رأسك قبله، وإذا فرغ الإمام، ولم يقم، ولم ينحرف، وكانت لك حاجة فاذهب، ودَعْهُ، فقد تمّت صلاتك". انتهى (١).

وقد استوفيت هذا البحث في "شرح النسائيّ" في باب "جلسة الإمام بين التسليم والانصراف" (٧٧/ ١٣٣٣) فراجعه تستفد علمًا جمًّا، وباللَّه تعالى التوفيق.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأما نهيه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن سبقهم إياه بالانصراف، فقد ذهب الحسن والزهريّ إلى أن حقّ المأموم أن لا ينصرف حتى ينصرف الإمام؛ أخذًا بظاهر هذا الحديث، والجمهور على خلافهما؛ لأن الاقتداء بالإمام قد تمّ بالسلام من الصلاة، ورأوا أن ذلك كان خاصًّا بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأن ذلك من باب قوله تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: ٦٢]، فإنه قد يَحتاج إلى مكالمتهم في أمور الدين، ومراعاة المصالح والآراء، واللَّه أعلم.

ويَحْتَمِل أن يريد بالانصراف المذكور التسليم، فإنه يقال: انصرف من الصلاة، أي سلَّم منها، واللَّه أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: حمله على التسليم هو الظاهر؛ لما أسلفته آنفًا، واللَّه تعالى أعلم.

(فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي) وفي رواية النسائيّ: "من أمامي" (وَمِنْ خَلْفِي") أي رؤية حقيقيّةً، أعطاه اللَّه تعالى إياها آية بيّنة على نبوّته، وقد تقدّم أقوال العلماء في معنى هذه الرؤية في الباب الماضي، فراجعه.

وقال ابن الملك -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنما ذكر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الأَمَامَ مع الخلف؛ إشارةً إلى


(١) راجع: "مجمع الزوائد" للحافظ الهيثميّ ٢/ ٧٨ - ٧٩.
(٢) "المفهم" ٢/ ٥٨ - ٥٩.