أن رؤيته من خلفه كرؤيته من قُدّامه، ولعلّ هذه الحالة تكون حاصلة له في بعض الأوقات حين تغلب عليه جهة مَلَكيّته دون بشريّته؛ لأنه -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قال:"إنما أنا بشر أَنْسَى كما تنسون". انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قوله: "جهة ملكيّته" محلّ تأمل، واللَّه تعالى أعلم.
(ثُمَّ قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (بِيَدِهِ) فيه إثبات اليد للَّه -عَزَّ وَجَلَّ- على ما يليق بجلاله (لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ) "ما" موصولة، وعائد الصلة محذوفٌ، والتقدير: لو رأيتم الذي رأيته، أي من عظيم قدرة اللَّه تعالى، وشدّة انتقامه من أهل الإجرام.
(لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا) منصوب على أنه صفة لمفعول مطلق محذوف، أي ضحكًا قليلًا، ويحتمل أن يكون صفة ظرف محذوف: أي زمنًا قليلًا، والأول أظهر.
قيل: معنى القلّة هنا العدم، والتقدير: لتركتم الضحك، ولم يقع منكم إلا نادرًا؛ لغلبة الخوف، واستيلاء الحزن عليكم (وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا") وإعرابه كسابقه، أي بكيتم بكاءً كثيرًا، أو زمنًا كثيرًا؛ خوفًا من عذاب اللَّه تعالى، ويَحْتَمِل أن يكون معناه: لو رأيتم من سعة رحمة اللَّه وحلمه، وغير ذلك ما رأيت لتركتم الضحك وبكيتم على ما فاتكم من ذلك.
(قَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟)"ما" استفهاميّة، مفعول مقدّم وجوبًا؛ لكونه اسم استفهام، ويحتمل أن تكون مبتدأ، و"رأيت" خبرها بتقدير الرابط، أي أيُّ شيء رأيته؛ والرؤية هنا بصريّة، ولذا تتعدّى إلى مفعول واحد (قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ") هذه الرؤية أيضًا حقيقيّة، يعني أن الجنّة والنار سبب لكثرة البكاء، وقلّة الضحك، فالجنّة شوقًا إليها، وخوفًا من الحرمان منها، والنار خوفًا من الدخول فيها، والاحتراق بلهيبها، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أنس -رضي اللَّه عنه- هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-.