للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذه الروايات متقاربة إذا أريد بالصورة الوجه، فإن أريد بها الصفة انصرفت إلى الصفة الباطنة من البلادة، ومقصود هذا الحديث الوعيدُ بمسخ الصورة الظاهرة، أو الباطنة على مسابقة الإمام بالرفع، وهذا يدلّ على أن الرفع من الركوع والسجود مقصود لنفسه، وأنه ركن مستقلّ، كالركوع والسجود.

قال: وقوله في الحديث الآخر: "فإنما ناصيته بيد شيطان" (١) يعني أنه قد تمكّن منه بجهله، فهو يصرفه كيف يشاء، كما تفعل بمن ملكتَ ناصيته. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: سيأتي تمام ما قاله العلماء في معنى التحويل المذكور في هذا الحديث في المسألة الرابعة -إن شاء اللَّه تعالى-.

[تنبيه]: إنما اختصّ الحمار بالذكر دون سائر الحيوان على الرواية الصحيحة المشهورة -واللَّه أعلم- لأن الحمار من أبلد الحيوانات وأجهلها، وبه يُضرب المثل في الجهل والبلادة، ولهذا مثّل اللَّه تعالى العالم السَّوْءَ الذي يَحمِل العلم، ولا ينتفع به في قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} الآية [الجمعة: ٥]، فكذلك المتعبّد بالجهل يشبه الحمار، فإن الحمار يُحرّك رأسه، ويرفعه، ويَخفِضه لغير معنى.

والحاصل أن مشابهة من يسابق إمامه بالحمار في البلادة، وعدم الفهم واضحة؛ لأن من يعلم أنه لا يخرج من تلك الصلاة إلا بخروج إمامه منها، ومع ذلك يسابقه، قد بلغ الغاية من البلادة والحماقة، فناسب بذلك أن يجعل اللَّه رأسه رأس حمار؛ لشبهه به (٣)، وقد قالوا: إن العقوبة تكون من جنس الجناية والذنب، واللَّه تعالى أعلم.


(١) أخرجه الإمام مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الموطّأ" (١٩٤) عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن مَلِيح بن عبد اللَّه السعديّ، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "الذي يرفع رأسه، ويخفضه قبل الإمام، فإنما ناصيته بيد شيطان". انتهى، ومليح بن عبد اللَّه وثّقه ابن حبّان.
(٢) "المفهم" ٢/ ٥٩ - ٦٠.
(٣) راجع: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" ٢/ ٥٤٦ - ٥٤٧.