للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلا يجوز للمأموم أن يسابقه، ولا أن يقارنه، وهذا معنى الأمر الذي في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وإذا ركع فاركعوا. . . " الحديث، فتكون أفعال المأموم كلّها إثر تحقّق أفعال الإمام، فمن خالف ذلك فقد خالف الأمر، فإن تعمّد فلا صلاة له، وإن كان ساهيًا، فليعُد إلى المتابعة.

وبهذا يتبيّن أن ما يفعله كثير من الناس من المقارنة للإمام في الانتقالات، مستندين إلى ما قاله بعض العلماء ممن لم تبلغهم هذه الأحاديث مخالف لهدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وطاعةٌ للشيطان، فما أقبح ذلك، ولا سيّما إذا صدر ممن يدّعي الانتساب إلى العلم، واللَّه المستعان على من خالف الهدى، وسلك سبيل الردى، ولا حول ولا قوّة إلا باللَّه العزيز الحكيم.

[تنبيه]: قال ابن بزيزة -رَحِمَهُ اللَّهُ-: استَدَلّ بظاهر هذا الحديث قوم لا يعقلون على جواز التناسخ (١)، قال الحافظ: وهو مذهب رديءٌ، مبنيّ على دعاوى بغير برهان، والذي استَدَلّ بذلك منهم إنما استَدَلّ بأصل المسخ، لا بخصوص هذا الحديث. انتهى (٢)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في معنى الوعيد المذكور في هذا الحديث:

(اعلم): أنهم اختلفوا فيه، فقيل: يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنويّ، فإن الحمار موصوف بالبلادة، فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه، من فرض الصلاة، ومتابعة الإمام، ويرجح هذا المجازيّ أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين، لكن ليس في الحديث ما يدلّ على أن ذلك يقع ولا بدّ، وإنما يدل على كون فاعله متعرِّضًا لذلك، وكون فعله ممكنًا لأن يقع عنه ذلك الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء، قاله ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

وقال ابن بزيزة -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَحْتَمِل أن يراد بالتحويل المسخ، أو تحويل الهيئة الحسية، أو المعنوية، أو هما معًا.


(١) التناسخ: تعلّق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن آخر بغير تخلّل زمن بين التعلّقين، قاله في "التوقيف على مهمّات التعريف" (ص ٢٠٨).
(٢) "الفتح" ٢/ ٢١٦.