عليها، وهو معنى قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: ١ - ٢] قال الإمام ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "تفسيره"(٣/ ٢٣٩): قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: {خَاشِعُونَ} خائفون، ساكنون، وكذا رُوي عن مجاهد، والحسن، وقتادة، والزهريّ، وعن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-: الخشوع خشوع القلب، وكذا قال إبراهيم النخعيّ، وقال الحسن البصريّ: كان خشوعهم في قلوبهم، فغَضُّوا بذلك أبصارهم، وخَفَضوا الجناح، وقال محمد بن سيرين: كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، فلما نزلت هذه الآية: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)} وخَفَضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم، وقال محمد بن سيرين: وكانوا يقولون: لا يجاوز بصره مُصَلّاه، فإن كان قد اعتاد النظر فَلْيُغَمِّض، رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، ثم روى ابن جرير عنه، وعن عطاء بن أبي رباح أيضًا مرسلًا: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يفعل ذلك، حتى نزلت هذه الآية.
والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فَرَّغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحةً له، وقُرّة عين، كما قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام أحمد (٣١٢٨)، والنسائيّ (٧٦١) عن أنس -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال:"حُبّب إليّ الطيب، والنساء، وجُعِلت قرة عيني في الصلاة"، حديث حسن.
وقال الإمام أحمد (٥٣٦٤): حدّثنا وكيع، حدّثنا مِسْعَر، عن عمرو بن مُرّة، عن سالم بن أبي الجعد، عن رجل من أسلم: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"يا بلال أَرِحْنا بالصلاة"، حديث صحيح.
وقال الإمام أحمد أيضًا (٥٣٧١): ثنا عبد الرحمن بن مهديّ، ثنا إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن سالم بن أبي الجعد، أن محمد ابن الحنفية قال: دخلت مع أبي على صِهْر لنا من الأنصار، فحضرت الصلاة، فقال: يا جارية ائتيني بوَضُوء لعلّي أصلي، فأستريح، فرآنا أنكرنا عليه ذلك، فقال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:"قم يا بلال، فأرحنا بالصلاة". انتهى (١).