للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال أحمد شاكر: وإني لم أرها في شيء من نسخ الترمذيّ بحذف الياء، وأظنّ أن حذفها فيه وفي غيره من تصرّف الناسخين، وكذلك ضبط الكلمة على إثبات الياء بفتحها، وتشديد النون؛ ذهابًا منه إلى الجادّة في قواعد النحو بجزم الفعل المعتلّ بحذف حرف العلّة، وقد رأيت كثيرًا من الناسخين والعلماء يجيزون لأنفسهم تغيير ما خالف القواعد المعروفة ظنًّا منهم أنه خطأٌ، والدليل على ظنّ التصرّف منهم أن الشارح نقل عن الطيبيّ أنه قال: من حقّ هذا اللفظ أن يُحذف منه الياء؛ لأنه على صيغة الأمر، وقد وجدناه بإثبات الياء وسكونها في سائر كتب الحديث، والظاهر أنه غلطٌ.

قال أحمد شاكر: وليس هذا غلطًا كما زعم الطيبيّ، بل إثبات حرف العلّة في مثل هذا ورد في الحديث كثيرًا، وله شواهد من الشعر، وقد بَحَث فيه العلامة ابن مالك في كتاب "شواهد التوضيح" بحثًا طويلًا (١١ - ١٥) وذكر من شواهده في البخاري قول عائشة: "إن أبا بكر رجلٌ أسيف، وإنه متى يقوم مقامك لا يُسمع الناس"، وحديث: "من أكل من هذه الشجرة، فلا يغشانا"، وحديث: "مرُوا أبا بكر فليُصلّي بالناس"، ووجّه ذلك بأوجه متعدّدة، أحسنها عندي الوجه الثالث، أن يكون أجري المعتلّ مُجرى الصحيح، فأثبت الألف -يعني أو الواو، أو الياء- واكتفى بتقدير حذف الضمّة التي كان ثبوتها منويًّا في الرفع. انتهى كلام أحمد محمد شاكر -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن قول أحمد شاكر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأظنّ أن حذفها من تصرّفات الناسخين إلى آخر كلامه فيه نظرٌ لا يخفى؛ لأن الحقّ أن ما ثبت في النسخ يُعتمد عليه، ولا سيّما إذا كان على وفق القواعد، ولا نتّهم الناسخين بالتصرّف، ومن الغريب استدلاله بما نقله عن الطيبيّ، فإن الطيبيّ ليس من المحدّثين المعتمدين في ضبط الروايات، وإنما هو من أهل اللغة والنحو والبلاغة.

والحاصل أن ما ضبطه به النوويّ من أنه بكسر اللامين، وتخفيف النون من غير ياء قبل النون، مع تجويز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد، هو الوجه الوجيه، فتأمله بالإنصاف، واللَّه تعالى أعلم.


(١) انظر: تعليقه على "جامع الترمذيّ" ١/ ٤٤٠ - ٤٤١.