للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صحيحة؛ لاختلاف الجهتين، ويؤيد ذلك أن أنسًا -رضي اللَّه عنه- مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة.

وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان، ونازع مَن ادَّعَى الإجماع على عدم الوجوب بما صحّ عن عمر أنه ضَرَب قَدَم أبي عثمان النهديّ لإقامة الصف، وبما صحّ عن سُوَيد بن غَفَلة، قال: كان بلال يُسَوِّي مناكبنا، ويضرب أقدامنا في الصلاة، فقال: ما كان عمر وبلال يضربان أحدًا على ترك غير الواجب.

وفيه نظر؛ لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنّة. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الذي يترجّح عندي وجوبُ تسوية الصفوف، كما هو ظاهر صنيع الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور آنفًا، ومن أوضح الأدلّة على ذلك أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- به، والأمر للوجوب كما أسلفناه آنفًا، ومنها الوعيد المذكور في أحاديث الباب بقوله: "أو ليخالفنّ اللَّه بين وجوهكم"، ومنها ما صحّ من ضرب عمر، وبلال -رضي اللَّه عنهما- على تركه.

وخلاصة القول أن الأدلة التي استدلّ بها ابن حزم واضحة في إفادة الوجوب، وأما إفادتها البطلان فغير واضحة، ولذا قال الصنعانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد ذكر ما تقدّم من كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما نصّه: قلت: الوعيد بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لتسوّنّ صفوفكم، أو ليُخالفنّ اللَّه بين وجوهكم " يقتضي الوجوب، كما قاله ابن رسلان في "شرح الترمذيّ" ويؤئده حديث أبي أُمامة -رضي اللَّه عنه- عند أحمد: "لتسونّ صفوفكم، أو لتُطمسنّ الوجوه" (٢)، ولهذا قال ابن الجوزيّ: الظاهر أنه مثل الوعيد في قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} الآية [النساء: ٤٧].

نعم الأوامر، والوعيد، وفعل عمر وبلال أدلّة على الوجوب ناهضةٌ،


(١) "الفتح" ٢/ ٢٤٥ - ٢٤٦.
(٢) حديث ضعيف، أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، راجع: "ضعيف الجامع" للشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٤٦٥٣).