عجيبٌ، فمتى سمح فيه؟ فهل سمح بترك تسوية الصفوف، بعد قوله:"لتسوّن صفوفكم، أو ليُخالفنّ اللَّه بين وجوهكم"؟، فهيهات هيهات!!!.
وقال في "الفتح": قال ابن رُشيد: أورد فيه حديث أنس: "ما أنكرت شيئًا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف".
وتُعُقّب بأن الإنكار قد يَقع على ترك السنّة، فلا يدلّ ذلك على حصول الإثم.
وأُجيب بأنه لعله حَمَل الأمر في قوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} الآية [النور: ٦٣] على أن المراد بالأمر الشأن والحال، لا مجرد الصيغة، فيلزم منه أن من خالف شيئًا من الحال التي كان عليها -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يأثم؛ لِمَا يدُلّ عليه الوعيد المذكور في الآية، وإنكار أنس -رضي اللَّه عنه- ظاهر في أنهم خالفوا ما كانوا عليه في زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من إقامة الصفوف، فعلى هذا تستلزم المخالفة التأثيم. انتهى كلام ابن رُشيد ملخصًا.
قال الحافظ: وهو ضعيف؛ لأنه يُفضي إلى أن لا يبقى شيء مسنون؛ لأن التأثيم إنما يحصل عن ترك واجب.
وأما قول ابن بطال: إن تسوية الصفوف لَمّا كانت من السنن المندوب إليها التي يَستحِقّ فاعلها المدح عليها دلّ على أن تاركها يستحق الذم، فهو مُتَعقَّب من جهة أنه لا يلزم من ذمّ تارك السنّة أن يكون آثمًا، سَلَّمنا، لكن يَرِدُ عليه التعقب الذي قبله.
ويَحْتَمِل أن يكون البخاريّ أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سَوُّوا صفوفكم"، ومن عموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي"، ومن ورود الوعيد على تركه، فرَجَح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب، وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الاحتمال الأخير هو الصواب، فالحقّ أن البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- إنما أخذ الوجوب من هذه الأدلّة، ولا سيّما صيغة الأمر، فقد تقرّر في الأصول أن صيغة الأمر محمولة عند الجمهور على الوجوب، إلا لصارف، ولا صارف هنا، فتنبّه.
قال: ومع القول بأن التسوية واجبة، فصلاة من خالف، ولم يُسَوِّ