كتاب البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج

(٤) - (كتاب الصلاة) - (٢٩) - (باب تسوية الصفوف، وإقامتها، وفضل الأول منها) - ج: 10 - ص: 244

وأمامه في الصف فُرْجة يمكنه سدّها بنفسه، فلم يفعل بطلت صلاته. انتهى (١).

ثم ذكر حديث النعمان بن بشير: "لتسوُّنّ صفوفكم، أو ليخالفن اللَّه بين وجوهكم"، قال: وهذا وعيد شديدٌ، والوعيد لا يكون إلا في كبيرة من الكبائر، ثم ذكر قول أنس: كان أحدنا يُلْزِق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، وهو في "صحيح البخاريّ"، ثم قال: هذا إجماع منهم، ثم قال: وبقولنا يقول السلف الطيِّب، رَوَينا بأصح إسناد عن أبي عثمان النَّهديّ قال: كنت فيمن ضرب عمرُ بن الخطاب قدمه لإقامة الصف في الصلاة، قال ابن حزم: ما كان -رضي اللَّه عنه- ليضرب أحدًا، ويستبيح بَشَرَةً مُحَرَّمة عليه على غير فرض، ثم حكى ابن حزم بعث عثمان -رضي اللَّه عنه- رجلًا لذلك، وأنه لا يكبّر حتى يخبروه باستوائها، ثم قال: فهذا فعل الخليفتين بحضرة الصحابة، لا يخالفهم في ذلك أحد منهم، ثم حَكَى عن سُويد بن غَفَلة قال: كان بلال، هو مؤذن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يضرب أقدامنا في الصلاة، ويسوِّي مناكبنا، ثم قال: فهذا بلال ما كان ليضرب أحدًا على غير الفرض، ثم حكى قولهم لأنس بن مالك: أتنكر شيئًا مما كان على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال: لا، إلا أنكم لا تقيمون الصفوف، قال ابن حزم: المباح ليس منكرًا. انتهى (٢).

وقد استدل الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بكلام أنس هذا على الوجوب، فبوّب عليه في "صحيحه" (٣): "باب إثم من لم يتم الصفوف"، وقال القاضي أبو بكر ابن العربيّ: هذا الوعيد يعني الذي في حديث النعمان لا يكون إلا في ترك واجب، وهذا كان يقتضي الوجوب إلا أن الشرع سَمَحَ في ذلك. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قوله: "إلا أن الشرع سَمَحَ في ذلك" هذا

---

(١) "المحلَّى" ٤/ ٥٢.
(٢) "المحلّى" ٤/ ٥٢ - ٥٦.
(٣) نصّ الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه": "باب إثم من لم يُتمّ الصفوف، (٧٢٤) حدّثنا معاذ بن أسد، قال: أخبرنا الفضل بن موسى، قال: أخبرنا سعيد بن عبيد الطائيّ، عن بُشَير بن يسار الأنصاريّ، عن أنس بن مالك، أنه قَدِم المدينة، فقيل له: ما أنكرتَ منّا منذ يوم عَهِدتَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: ما أنكرت شيئًا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف". انتهى.