(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم تسوية الصفوف:
ذهب جمهور العلماء إلى أن تسويتها مستحبّة، وقد استُدِلّ لهم بحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أقيموا الصف في الصلاة؛ فإن إقامة الصفّ من حسن الصلاة"، ولمسلم من حديث أنس -رضي اللَّه عنه-: "سوُّوا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة"، وللبخاريّ:"من إقامة الصلاة".
قال ابن بطّال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا يدلّ على أن إقامة الصفوف سنّةٌ؛ لأنه لو كان فرضًا لم يجعله من حسن الصلاة؛ لأن حسن الشيء زيادة على تمامه، وذلك زيادة على الوجوب. قال: ودلّ هذا على أن قوله في حديث أنس -رضي اللَّه عنه-: "من إقامة الصلاة" أن إقامة الصلاة تقع على السنّة كما تقع على الفريضة.
وقال الشيخ ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد يؤخذ من قوله: "من تمام الصلاة" أنه مستحبّ غير واجب؛ لأنه لم يذكر أنه من أركانها، ولا من واجباتها، وتمام الشيء أمر زائد على وجود حقيقته التي لا يتحقّق إلا بها في مشهور الاصطلاح، قال: وقد ينطلق بحسب الوضع على بعض ما لا تتمّ الحقيقة إلا به. انتهى.
واعترضه الصنعانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في قوله:"ولم يذكر أنه من أركانها، ولا من واجباتها" قائلًا: التعبير بالأركان والواجبات ليس من المطّرد، واعتبارات الشارع له مسلّم، بل قال في الفاتحة:"لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن"، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإنك لم تصلّ"، وغاية كون هذا القول، أو الفعل ركنًا من الصلاة، أو واجبًا منها لم يقع التعبير به في لسان الشرع فيما لا تتمّ الصلاة إلا به، وإن جاء فنادرٌ. انتهى.
واعترض الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قوله:"في مشهور الاصطلاح"، فقال: وهذا الأخذ بعيدٌ؛ لأن لفظ الشارع لا يُحْمَل إلا على ما دلّ عليه الوضع في اللسان العربيّ، وإنما يُحْمَل على العرف إذا ثبت أنه عرف الشارع، لا العرف الحادث. انتهى.
وذهب أبو محمد بن حزم: إلى فرضيّة تسوية الصفوف، وبطلان الصلاة بتركه، فقال: وفَرْضٌ على المأمومين تعديل الصفوف، الأول فالأول، والتراصّ فيها، والمحاذاة بالمناكب والأرجل، فإن كان نقصٌ كان في آخرها، ومن صلى