للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نصف النهار، وهو أول وقت الظهر، وإلى ذلك مال البخاريّ، ولا يَرِدُ على ذلك مشروعية الإبراد؛ لأنه أريد به الرفق، وأما مَن تَرَك قائلته، وقَصَد إلى المسجد؛ لينتظر الصلاة، فلا يخفى ما له من الفضل، قاله في "الفتح" (١).

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: التهجير: التبكير إلى كلّ شيء، والمبادرة إليه، يقال: هَجَّرَ تهجيرًا، فهو مُهَجِّرٌ، وهي لغة حجازيّة، أراد المبادرة إلى أول وقت الصلاة، ومنه حديث الجمعة: "فالمهجِّر إليها كالمهدي بَدَنَةً".

قال: لا يقال: الأمر بالإبراد ينافي الأمر بالتهجير، والسعي إلى الجماعة بالظهيرة؛ لأنا نمنع ذلك، فإن كثيرًا من أصحابنا حملوا الأمر به على الرخصة، فعلى هذا يكون الإبراد رخصةً، والتهجير سنّةً، ومن حَمَل ذلك على الندب، فله أن يقول: الإبراد تأخير الظهر أدنى تأخير بحيث يقع الظلّ، ولا يخرج بذلك عن حدّ التهجير، فإن الهاجرة تُطلق على الوقت إلى أن يقرُب العصر. انتهى كلام الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي الأرجح تفسير الهرويّ بأن التهجير هو التبكير في أول الوقت مطلقًا، والمراد به أول الوقت المستحبّ، فالتهجير في صيف الظهر يكون بعد الإبراد، أي في أول دخول البرودة، فلا منافاة بين التهجير، وبين الأمر بالإبراد، وهذا الذي رجّحته هو الذي قاله المجد في "القاموس"، ونصّه: والتهجير في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْمُهَجِّر إلى الجمعة كالمهدي بَدَنَةً"، وفي قوله: "ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه" بمعنى التبكير إلى الصلوات، وهو المضيّ في أوائل أوقاتها، وليس من الهاجرة.

وقال قبل ذلك: والْهَجِيرُ، والهَجِيرةُ، والْهَجْرُ، والهاجرةُ: نصفُ النهار عند زوال الشمس مع الظهر، أو من عند زوالها إلى العصر؛ لأن الناس يَسْتَكِنُّونَ في بيوتهم، كأنهم قد تهاجروا، وشِدّةُ الحرّ، وهَجَّرْنا تهجيرًا، وأهجرنا، وتهَجَّرنا: سِرْنا في الهاجرة. انتهى (٣).


(١) ٢/ ١١٥.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٣/ ٨٩٧.
(٣) "القاموس المحيط" ٢/ ١٥٨.